فصل: فصل يرعى شرط الواقف في الأقدار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب الجعالة

هي أن يقول من رد عبدي الآبق أو دابتي الضالة ونحو ذلك فله كذا وهي عقد صحيح للحاجة وأركانه أربعة‏.‏

أحدها الصيغة الدالة على الإذن في العمل بعوض يلتزمه فلو رد آبقاً أو ضالة بغير إذن مالكها فلا شيء له سواء كان الراد معروفاً برد الضوال أم لا ولو قال لزيد رد آبقي ولك دينار فرده عمرو لم يستحق شيئاً لأنه لم يشرط له ولو رده عبد زيد استحق زيد لأن يد عبده يده ولو قال من رده فله كذا فرده من لم يبلغه نداؤه لم يستحق شيئاً لأنه متبرع فإن قصد التعوض لاعتقاده أن مثل هذا العمل لا يحبط لم يستحق شيئاً على المذهب ولا أثر لاعتقاده وعن الشيخ أبي محمد تردد فيه ولو عين رجلا فقال إن رده زيد فله كذا فرده زيد غير عالم بإذنه لم يستحق شيئاً ولو أذن في الرد ولم يشرط عوضاً فلا شيء للراد على المذهب وظاهر النص وفيه الخلاف السابق فيمن قال اغسل ثوبي ولم يسم عوضاً‏.‏

 فصل لا يشترط أن يكون الملتزم من يقع العمل في ملكه

فلو قال غير المالك من رد عبد فلان فله كذا استحقه الراد على القائل ولو قال فضولي قال فلان من رد عبدي فله كذا لم يستحق الراد على الفضولي شيئاً لأنه لم يلتزم وأما المالك فإن كذب الفضولي عليه فلا شيء عليه وإن صدق قال البغوي يستحق عليه وكأن هذا فيما إذا كان المخبر ممن يعتمد قوله وإلا فهو كما لو رد غير عالم بإذنه‏.‏

قلت لو شهد الفضولي على المالك بإذنه قال فينبغي أن لا تقبل شهادته لأنه متهم في ترويج قوله وأما قول صاحب البيان مقتضى المذهب قبولها فلا يوافق عليه والله أعلم‏.‏

فرع سواء في صيغة المالك قوله من رد عبدي وقوله إن رده إنسان أو إن رددته أو رده ولك كذا‏.‏

الركن الثاني المتعاقدان فأما ملتزم الجعل فيشترط أن يكون مطلق التصرف وأما العامل فيجوز أن يكون شخصاً معيناً وجماعة ويجوز أن لا يكون معيناً ولا معينين وقد سبق بيانه في الركن الأول ثم إذا لم يكن العامل معيناً فلا يتصور قبول العقد وإن كان لم يشترط قبوله كذا قاله الأصحاب وهو المذهب وقال الإمام لا يمتنع أن يكون كالوكيل في القبول ويشترط عند التعيين أهلية العمل في العامل‏.‏

الركن الثالث العمل فما لا تجوز الإجارة عليه من الأعمال لكونه مجهولا تجوز الجعالة عليه للحاجة وما جازت الإجارة عليه جازت الجعالة أيضاً على الصحيح وقيل لا للاستغناء بالإجارة ولو قال من رد مالي فله كذا فرده من كان في يده نظر إن كان في رده كلفة كالآبق استحق الجعل وإن لم يكن كالدراهم والدنانير فلا لان ما لا كلفة فيه لا يقابل بالعوض ولو قال من دلني على مالي فله كذا فدله من المال في يده لم يستحق شيئاً لان ذلك واجب عليه شرعاً فلا يأخذ عليه عوضاً وإن كان في يد غيره فدله عليه استحق لأن الغالب أنه يلحقه مشقة بالبحث عنه وما يعتبر في العمل لجواز الإجارة يعتبر في الجعالة سوى كونه معلوماً‏.‏

قلت فمن ذلك أنه لو قال من أخبرني بكذا فأخبره به إنسان فلا شيء له لأنه لا يحتاج فيه إلى عمل كذا صرح به البغوي وغيره والله أعلم‏.‏

الركن الرابع الجعل المشروط وشرطه أن يكون معلوماً كالأجرة لعدم الضرورة إلى جهالته فإن شرط مجهولا بأن قال من رد آبقي فله ثوب أو دابة أو إن رددته فعلي أن أرضيك أو أعطيك شيئاً فسد العقد وإذا رد استحق أجرة المثل وكذا لو جعل الجعل خمراً أو خنزيراً ولو جعل الجعل ثوبا مغصوباً قال الإمام يحتمل أن يكون فيه قولان كما لو جعل المغصوب صداقاً فيرجع في قول بأجرة المثل وفي قول بقيمة المسمى قال ويحتمل القطع بأجرة المثل ولو قال من رد عبدي فله سلبه أو ثيابه قال المتولي إن كانت معلومة أو وصفها بما يفيد العلم استحق الراد المشروط وإلا فأجرة المثل ولو قال فله نصفه أو ربعه فقد صححه المتولي ومنعه أبو الفرج السرخسي‏.‏

 فصل لو قال من رد لي عبدي من بلد كذا

فله دينار بني على الخلاف في صحة الجعالة في العمل المعلوم فإن صححناها فمن رده من نصف الطريق استحق نصف الجعل ومن رده من ثلثه استحق الثلث وإن رده من مكان أبعد لم يستحق زيادة ولو قال من رد لي عبدين فله كذا فرد أحدهما استحق نصف الجعل ولو قال إن رددتما عبدي فلكما كذا فرده أحدهما استحق النصف لأنه لم يلتزم له أكثر من ذلك وإن قال إن رددتما لي عبدين فرد أحدهما أحدهما استحق

 فصل قال من رد عبدي فله دينار فاشترك جماعة فالدينار مشترك بينهم

ولو قال لجماعة إن رددتموه فردوه فكذلك ويقسم بينهم على الرؤوس ولو قال لزيد إن رددته فلك دينار فرده هو وغيره فلا شيء لذلك الغير لأنه لم يلتزم له وأما زيد فإن قصد الغير معاونته إما بعوض وإما مجاناً فله تمام الجعل ولا شيء للغير على زيد إلا أن يلتزم له أجرة ويستعين به وإن قال عملت للمالك لم يكن لزيد جميع الدينار بل له نصفه على الصحيح الذي قاله الأصحاب ورأى الإمام التوزيع على العمل أرجح ولو شاركه اثنان في الرد فإن قصدا إعانة زيت فله تمام الجعل وإن قصدا العمل للمالك فله ثلثه وإن قصد أحدهما إعانته والآخر العمل للمالك فله الثلثان‏.‏

فإن قيل هل للعامل المعين أن يوكل بالرد غيره كما يستعين به وهل إذا كان النداء عاماً يجوز أن يوكل من سمعه غيره في الرد قلنا يشبه أن يكون الأول كتوكيل الوكيل والثاني كالتوكيل بالاحتطاب والاستقاء‏.‏

قلت ولو قال أول من يرد آبقي فله دينار فرده اثنان استحقا الدينار وستأتي هذه المسألة إن شاء الله تعالى في آخر الطرف الثالث من الباب السادس في تعليق الطلاق والله علم‏.‏

قال لرجل إن رددته فلك كذا ولآخر إن رددته فلك كذا ولثالث إن رددته فلك كذا فاشتركوا في الرد قال الشافعي رضي الله عنه لكل واحد ثلث ما جعل له اتفقت الأجعال أم اختلفت قال المسعودي هذا إذا عمل كل منهم لنفسه أما لو قال أحدهم أعنت صاحبي عملت لهما فلا شيء له ولكل منهما نصف ما شرط له ولو قال اثنان عملنا لصاحبنا فلا شيء لهما وله جميع المشروط وقول الشافعي رضي الله عنه لكل واحد الثلث تصريح بالتوزيع على الرؤوس فله رده اثنان منهم فلكل منهما نصف المشروط له وإن أعان الثلاثة رابع في الرد فلا شيء له ثم إن قال قصدت العمل للمالك فلكل واحد من الثلاثة ربع المشروط له وإن قال أعنتهم جميعاً فلكل واحد منهم ثلث المشروط له كما لو لم يكن معهم غيرهم ولو قال أعنت فلاناً فله نصف المشروط له ولكل واحد من الآخرين ربع المشروط له وعلى هذا القياس لو قال أعنت فلاناً وفلاناً فلكل واحد منهما ربع المشروط له وثمنه وللثالث ربع المشروط له ولو قال لواحد إن رددته فلك دينار وقال لآخر إن رددته فلك ثوب فرداه فللأول نصف دينار وللثاني نصف أجرة المثل‏.‏

قلت ولو قال المعين للثلاثة مثلا في الصورة السابقة أردت أن آخذ الجعل من المالك لم يستحق شيئاً وكان لكل من الثلاثة ربع المشروط له والله علم‏.‏

فمنها الجواز فلكل واحد من المالك والعامل فسخها قبل تمام العمل فأما بعد تمام العمل فلا أثر للفسخ لأن الدين لزم ثم إن اتفق الفسخ قبل الشروع في العمل فلا شيء للعامل وإن كان بعده فان فسخ العامل فلا شيء له لأنه امتنع باختياره ولم يحصل غرض المالك وإن فسخ المالك فوجهان أحدهما لا شيء للعامل كما لو فسخ بنفسه والصحيح أنه يستحق أجرة المثل لما عمل وبهذا قطع الجمهور وعبروا عنه بأنه ليس له الفسخ حتى يضمن للعامل أجرة مثل ما عمل ولو عمل العامل شيئاً بعد الفسخ لم يستحق شيئاً إن علم بالفسخ فإن لم يعلم بني على الخلاف في نفوذ عزل الوكيل في غيبته قبل علمه‏.‏

فرع تنفسخ الجعالة بالموت ولا شيء للعامل لما عمله بعد موت المالك فلو قطع بعض المسافة ثم مات المالك فرده إلى وارثه استحق من المسمى بقدر عمله في الحياة‏.‏

فرع جواز الزيادة والنقص ومن أحكامها جواز الزيادة والنقص في الجعل وتغير جنسه قبل الشروع في العمل فلو قال من رد عبدي فله عشرة ثم قال من رده فله خمسة أو بالعكس فالاعتبار بالنداء الأخير والمذكور فيه هو الذي يستحقه الراد لكن لو لم يسمع الراد النداء الأخير قال الغزالي يحتمل أن يقال يرجع إلى أجرة المثل وأما بعد الشروع في العمل ففي كلام صاحب المهذب وغيره تقييد جواز الزيادة والنقص بما قبل العمل وفي كلام الغزالي قبل الفراغ فالظاهر أنه في أثناء العمل يؤثر في الرجوع إلى أجرة المثل لأن النداء الأخير فسخ للأول والفسخ في أثناء العمل يقتضي أجرة المثل‏.‏

فرع توقف استحقاق الجعل ومن أحكامها توقف استحقاق الجعل على تمام الجعل على تمام العمل فلو سعى في طلب الآبق فرده فمات في باب دار المالك قبل أن يسلمه إليه أو هرب أو عضب أو تركه العامل فرجع فلا شيء للعامل لأنه لم يرد‏.‏

قلت ومنه لو خاط نصف الثوب فاحترق أو تركه أو بنى بعض الحائط فانهدم أو تركه فلا شيء للعامل قاله أصحابنا والله أعلم‏.‏

فرع إذا رد الآبق لم يكن له حبسه لاستيفاء الجعل لأن الاستحقاق بالتسليم ولا حبس قبل الاستحقاق‏.‏

قال إن علمت هذا الصبي أو إن علمتني القرآن فلك كذا فعلمه البعض وامتنع من تعليم الباقي فلا شيء له وكذا إن كان الصبي بليداً لا يتعلم لأنه كمن طلب العبد فلم يجده ولو مات الصبي في أثناء التعليم استحق أجرة ما علمه لوقوعه مسلماً بالتعليم بخلاف رد الآبق وإن منعه أبوه من التعلم فله أجرة المثل لما علمه‏.‏

 فصل جاء بآبق وطلب الجعل

إذا جاء بآبق وطلب الجعل فقال المالك ما شرطت جعلا أو شرطته على عبد آخر أو ما سعيت في رده بل هو جاء بنفسه فالقول قول المالك لأن الأصل عدم الشرط وبراءته‏.‏

ولو اختلفا في قدر المشروط تحالفا وللعامل أجرة المثل وكذا لو قال المالك شرطته على رد عبدين فقال الراد بل الذي رددته فقط‏.‏

فرع قال من رد عبدي إلى شهر فله كذا قال القاضي أبو الطيب لا يصح لأن تقدير المدة يخل بمقصود العقد فربما لا يجده فيها فيضيع عمله ولا يحصل غرض المالك كما لا يجوز تقدير مدة القراض‏.‏

قال بع عبدي هذا أو اعمل كذا ولك عشرة دراهم ففي بعض التصانيف أنه إن كان العمل مضبطاً مقدراً فهو إجارة وإن احتاج إلى تردد أو كان غير مضبوط فهو جعالة‏.‏

فرع لم أجده مسطوراً يد العامل على ما يقع في يده إلى أن يرده يد أمانة فلو رفع يده عن الدابة وخلاها في مضيعة فهو تقصير مضمن ونفقة العبد والدابة مدة الرد يجوز أن تكون كما ذكرنا في مستأجر الجمال إذا هرب الجمال وخلاها عنده ويجوز أن يقال ذاك للضرورة وهنا أثبت العامل يده مختارا فليتكلف المؤنة ويؤيد هذا العادة‏.‏

قلت عجب قول الإمام الرافعي في نفقة المردود لا أعلمه مسطوراً وأنه يحتمل أمرين وهذا قد ذكره القاضي ابن كج في كتابه التجريد وهو كثير النقل عنه فقال إذا أنفق عليه الراد فهو متبرع عندنا وهذا الذي قاله ظاهر جار على القواعد وقول الرافعي وخلاها في مضيعة لا حاجة إلى التقييد بالمضيعة فحيث خلاها يضمن والله أعلم‏.‏

فرع قال إن أخبرتني بخروج زيد من البلد فلك كذا فأخبره ففي فتاوى القفال أنه إن كان له غرض في قلت ومما يتعلق بالباب وتدعو إليه الحاجة ما ذكره القاضي حسين وغيره وهو مما لا خلاف فيه أنه لو كان رجلان في بادية ونحوها فمرض أحدهما وعجز عن السير لزم الآخر المقام معه إلا أن يخاف على نفسه فله تركه وإذا أقام فلا أجرة له وإذا مات أخذ هذا الرجل ماله وأوصله إلى ورثته ولا يكون مضموناً قال القاضي وكذا لو غشي عليه قال وأما وجوب أخذ هذا المال فإن كان أميناً ففيه قولان كاللقطة وعندي أن المذهب هنا الوجوب‏.‏

ومنها ما ذكره ابن كج قال إذا وجدنا عبيداً أبقوا فالمذهب أن الحاكم يحبسهم انتظاراً لصاحبهم فإن لم يجيء لهم صاحب باعهم الحاكم وحفظ ثمنهم فإذا جاء صاحبهم فليس له غير الثمن وإذا سرق الآبق قطع كغيره والله أعلم بالصواب‏.‏

 كتاب إحياء الموات

إحياء الموات مستحب وفيه ثلاثة أبواب‏.‏

 الباب الأول في رقاب الأرضين وهي قسمان

أحدها أن لا تكون معمورة في الحال ولا من قبل فيجوز تملكها بالإحياء سواء أذن فيه الإمام أم لا ويكفي فيه إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة ويختص ذلك بالمسلمين فلو أحياها الذمي بغير إذن الإمام لم يملك قطعاً ولو أحيا بإذنه لم يملك أيضاً على الأصح وقال الأستاذ أبو طاهر يملك فإذا قلنا بالصحيح فكان له فيها عين مال نقلها فإن بقي بعد النقل أثر عمارة قال ابن كج إن أحياه رجل بإذن الإمام ملكه وإن لم يأذن فوجهان‏.‏

قلت لعل أصحهما الملك إذ لا أثر لفعل الذمي والله علم‏.‏

ولو ترك العمارة متبرعاً تولى الإمام أخذ غلتها وصرفها في مصالح المسلمين ولم يجز لأحد تملكها‏.‏

فرع للذمي الاصطياد والاحتطاب والإحتشاش في دار الإسلام لأن ذلك يخلف ولا يتضرر به المسلمون بخلاف الأرض وكذا للذمي نقل التراب من موات دار الإسلام إذا لم يتضرر به المسلمون‏.‏

فرع المستأمن كالذمي في الإحياء وفي الاحتطاب ونحوه والحربي ممنوع من جميع ذلك‏.‏

الحال الثالث أن لا تكون معمورة في الحال وكانت معمورة قبل فإن عرف مالكها فهي له أو لوارثه ولا تملك بالعمارة وإن لم يعرف نظر إن كانت عمارة إسلامية فهي لمسلم أو لذمي وحكمها حكم الأموال الضائعة قال الإمام والأمر فيه إلى رأي الإمام فإن رأى حفظه إلى أن يظهر مالكه فعل وإن رأى بيعه وحفظ ثمنه فعل وله أن يستقرضه على بيت المال هذا هو المذهب وفيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى قريباً‏.‏

وإن كانت عمارة جاهلية فقولان ويقال وجهان أحدهما لا تملك بالإحياء لأنها ليست بموات وأظهرهما تملك كالركاز وقال ابن سريج وغيره إن بقي أثر العمارة أو كان معموراً في جاهلية قريبة لم تملك بالإحياء وإن اندرست بالكلية وتقادم عهدها ملكت ثم إن البغوي وآخرين عمموا هذا الخلاف وفرعوا على المنع أنها إن أخذت بقتال فهي للغانمين وإلا فهي أرض للفيء قال الإمام موضع الخلاف إذا لم يعلم كيفية استيلاء المسلمين عليه ودخوله تحت يدهم فأما إن علم فإن حصلت بقتال فللغانمين وإلا ففيء وحصة الغانمين تلتحق بملك المسلم الذي لا يعرف وطرد جماعة الخلاف فيما إذا كانت العمارة الإسلامية ولم يعرف مالكها وقالوا هي كلقطة لا يعرف مالكها والجمهور فرقوا بين الجاهلية والإسلامية كما سبق‏.‏

القسم الثاني أرض بلاد الكفار ولها ثلاثة أحوال‏.‏

أحدها أن تكون معمورة فلا مدخل للإحياء فيها بل هي كسائر أموالهم فإذا استولينا عليها بقتال أو غيره لم يخف حكمه‏.‏

الحال الثاني أن لا تكون معمورة في الحال ولا من قبل فيتملكها الكفار بالإحياء وأما المسلمون فينظر إن كان مواتاً لا يذبون المسلمين عنه فلهم تملكه بالإحياء ولا يملك بالاستيلاء لأنه غير مملوك لهم حتى يملك عليهم وإن ذبوا عنه المسلمين لم يملك بالإحياء كالمعمور من بلادهم فإن استولينا عليه ففيه أوجه أصحها أنه يفيد اختصاصاً كاختصاص المتحجر لأن الاستيلاء أبلغ منه وعلى هذا فسيأتي إن شاء الله تعالى خلاف في أن التحجر هل يفيد جواز البيع إن قلنا نعم فهو غنيمة كالمعمور وإن قلنا لا وهو الأصح فالغانمون أحق بإحياء أربعة أخماسه وأهل الخمس أحق بإحياء خمسه فإن أعرض الغانمون عن إحيائه فأهل الخمس أحق به ولو أعرض بعض الغانمين فالباقون أحق وإن تركه الغانمون وأهل الخمس جميعاً ملكه من أحياه من المسلمين‏.‏

قلت في تصور إعراض اليتامى والمساكين وابن السبيل إشكال فيصور في اليتامى أن أولياءهم لم يروا لهم حظاً في الإحياء ونحوه في الباقين والله أعلم‏.‏

والوجه الثاني أنهم يملكونه بالاستيلاء كالمعمور‏.‏

والوجه الثالث لا يفيد ملكاً ولا اختصاصاً بل هو كموات دار الإسلام من أحياه ملكه‏.‏

الحال الثالث أن لا تكون معمورة في الحال وكانت معمورة فإن عرف مالكها فكالمعمورة وإلا ففيه طريقة الخلاف وطريقة ابن سريج السابقتان في القسم الأول‏.‏

فرع إذا فتحنا بلدة صلحاً على أن تكون لنا ويسكنوا بجزية فالمعمور منها فيء ومواتها الذي كانوا يذبون عنه هل يكون متحجراً لأهل الفيء وجهان أصحهما نعم فعلى هذا هو فيء في الحال أم يحبسه الإمام لهم وجهان أصحهما الثاني وإن صالحناهم على أن تكون البلدة لهم فالمعمور لهم والموات يختصون بإحيائه تبعاً للمعمور وعن القاضي أبي حامد وصاحب التقريب أنه إنما يجب علينا الامتناع عن مواتها إذا شرطناه في الصلح والأول أصح‏.‏

فرع قال البغوي البيع التي للنصارى في دار الإسلام لا تملك عليهم فإن فنوا فهو كما لو مات ذمي ولا وارث له فتكون فيئاً‏.‏

فرع حريم المعمور لا يملك بالإحياء لأن مالك المعمور يستحق مرافقة وهل نقول إنه يملك تلك المواضع أحدهما لا لأن الملك بالإحياء ولم يحيها وأصحهما نعم كما يملك عرصة الدار ببناء الدار ولأن الإحياء تارة يكون بجعله معموراً وتارة بجعله تبعاً للمعمور ولو باع حريم ملكه دون الملك لم يصح قاله أبو عاصم كما لو باع شرب الأرض وحده قال ولو حفر اثنان بئراً على أن يكون نفس البئر لأحدهما وحريمها للآخر لم يصح وكان الحريم لصاحب البئر وللآخر أجرة عمله‏.‏

فرع في بيان الحريم وهو المواضع القريبة التي يحتاج إليها لتمام الانتفاع كالطريق ومسيل الماء ونحوهما وفيه صور‏.‏

إحداها ذكرنا في الحال الثالث إذا صالحنا الكفار على بلدة لم يجز إحياء مواتها الذي يذبون عنه على الأصح فهو من حريم تلك البلدة ومرافقها‏.‏

الثانية حريم القرى المحياة ما حولها من مجتمع أهل النادي ومرتكض الخل ومناخ الإبل ومطرح الرماد والسماد وسائر ما يعد من مرافقها‏.‏

وأما مرعى البهائم فقال الإمام إن بعد عن القرية لم يكن من حريمها وإن قرب ولم يستقل مرعى ولكن كانت البهائم ترعى فيه الخوف من الإبعاد فعن الشيخ أبي علي خلاف فيه والأصح عند الإمام أنه ليس بحريم وأما ما يستقل مرعى وهو قريب فينبغي أن يقطع بأنه حريم وقال البغوي مرعى البهائم حريم للقرية مطلقاً‏.‏

فرع المحتطب كالمرعى‏.‏

الثالثة حريم الدار في الموات مطرح التراب والرماد والكناسات والثلج والممر في الصوب الذي فتح إليه الباب وليس المراد منه استحقاق الممر في قبالة الباب على امتداد الموات بل يجوز لغيره إحياء ما في قبالة الباب إذا أبقي الممر له فان احتاج إلى انعطاف وازورار فعل‏.‏

فرع عد جماعة منهم ابن كج فناء الدار من حريمها وقال ابن الصباغ عندي أن حيطان الدار لا فناء لها ولا حريم فلو أراد محي أن يبني بجنبها لم يلزمه أن يبعد عن فنائها لكن يمنع مما يضر الحيطان كحفر بئر بقربها‏.‏

الرابعة البئر المحفورة في الموات حريمها الموضع الذي يقف فيه النازح وموضع الدولاب ومتردد البهيمة إن كان الاستقاء بهما ومصب الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزروع من حوض ونحوه والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه وكل ذلك غير محدود وإنما هو بحسب الحاجة كذا قاله الشافعي والأصحاب رحمهم الله وفي وجه حريم البئر قدر عمقها من كل جانب ولم ير الشافعي رضي الله عنه التحديد وحمل اختلاف روايات الحديث في التحديد على اختلاف القدر المحتاج إليه وبهذا يقاس حريم النهر المحفور في الموات وأما القناة فآبارها لا يستقى منها حتى يعتبر به الحريم فحريمها القدر الذي لو حفر فيه لنقص ماؤها أو خيف منه انهيار وانكباس ويختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها وفي وجه أن حريمها حريم البئر التي يستقى منها ولا يمنع من الحفر إذا جاوزه وإن نقص الماء وبهذا الوجه قطع الشيخ أبو حامد ومن تابعه والقائلون به قالوا لو جاء آخر وتنحى عن المواضع المعدودة حريما وحفر بئراً ينقص ماء الأول لم يمنع منه وهو خارج عن حريم البئر والأصح أنه ليس لغيره الحفر حيث ينقص ماءها كما ليس لغيره التصرف قريباً من بنائه بما يضر به بخلاف ما إذا حفر بئرا في ملكه فحفر جاره بئرا في ملكه فنقص ماء الأول فانه يجوز قال ابن الصباغ والفرق أن الحفر في الموات ابتداء تملك فلا يمكن منه إذا تضرر الغير وهنا كل واحد متصرف في ملكه وعلى هذا فذلك الموضع داخل في حريم البئر أيضاً واعلم أن ما حكمنا بكونه حريماً فذلك إذا انتهى الموات إليه فإن كان هناك ملك قبل تمام حد الحريم فالحريم إلى حيث ينتهي الموات‏.‏

كل ما ذكرناه في حريم الأملاك مفروض فيما إذا كان الملك محفوفاً بالموات أو متاخماً له من بعض الجوانب فأما الدار الملاصقة للدار فلا حريم لها لأن الأملاك متعارضة وليس جعل موضع حريماً لدار أولى من جعله حريماً لأخرى وكل واحد من الملاك يتصرف في ملكه على العادة ولا ضمان عليه إن أقضى إلى تلف فإن تعدى ضمن والقول في تصرف المالكين المتجاوزين بما يجوز وما لا يجوز وبماذا يتعلق الضمان منه ما سبق في كتاب الصلح ومنه ما سيأتي إن شاء الله تعالى في خلال الديات‏.‏

فرع لو اتخذ داره المحفوفة بالمساكن حماماً أو إسطبلا أو طاحونة أو حانوته في صف العطارين حانوت حداد أو قصار على خلاف العادة ففيه وجهان أحدهما يمنع للأضرار وأصحهما الجواز لأنه متصرف في خالص ملكه وفي منعه إضرار به وهذا إذا احتاط وأحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده فإن فعل ما الغالب فيه ظهور الخلل في حيطان الجار فالأصح المنع وذلك مثل أن يدق الشيء في داره دقاً عنيفاً تتزعزع منه الحيطان أو حبس الماء في ملكه بحيث تنتشر منه النداوة إلى حيطان الجار ولو اتخذ داره مدبغة أو حانوته مخبزة حيث لا يعتاد فان قلنا لا يمنع في الصورة السابقة فهنا أولى وإلا ففيه تردد للشيخ أبي محمد واختار الروياني في كل هذا أن يجتهد الحاكم فيها ويمنع إن ظهر له التعنت وقصد الفساد قال وكذلك القول في إطالة البناء ومنع الشمس والقمر‏.‏

فرع لو حفر في ملكه بئر بالوعة وفسد بها ماء بئر جاره فهو مكروه لكن لا يمنع منه ولا ضمان عليه بسببه على الصحيح وخالف فيه القفال‏.‏

فرع لا يمنع من إحياء ما وراء الحريم قرب أم بعد وسواء أحياه أهل العمران أم غيرهم‏.‏

فرع موات الحرم يملك بالإحياء كما أن معمورة يملك بالبيع والهبة وهل تملك أرض عرفات بالإحياء كسائر البقاع أم لا لتعلق حق الوقوف بها وجهان إن قلنا تملك ففي بقاء حق الوقوف فيما ملك وجهان إن قلنا يبقى فذاك مع اتساع الباقي أم بشرط ضيقه على الحجيج وجهان واختار الغزالي الفرق بين أن يضيق الموقف فيمنع أو لا فلا والأصح المنع مطلقاً وهو أشبه بالمذهب وبه قطع المتولي وشبهها بما تعلق قلت وينبغي أن يكون الحكم في أرض منى ومزدلفة كعرفات لوجود المعنى والله علم‏.‏

 فصل الشارع في إحياء الموات متحجر ما لم يتمه

وكذا إذا أعلم عليه علامة للعمارة من نصب أحجار أو غرز خشبات أو قصبات أو جمع تراب أو خط خطوط وذلك لا يفيد الملك بل يجعله أحق به من غيره وحكى ابن القطان وجهاً أنه يملك به وهو شاذ ضعيف والتفريع على الصحيح‏.‏

قلت قال أصحابنا إذا مات المتحجر انتقل حقه إلى ورثته ولو نقله إلى غيره صار الثاني أحق به والله أعلم‏.‏

وينبغي للمتحجر أن لا يزيد على قدر كفايته وأن لا يتحجر ما لا يمكنه القيام بعمارته فإن خالف قال المتولي فلغيره أن يحيي ما زاد على كفايته وما زاد على ما يمكنه بعمارته وقال غيره لا يصح تحجره أصلا لأن ذلك القدر غير متعين‏.‏

قلت قول المتولي أقوى والله أعلم‏.‏

وينبغي أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجر فإن طالت المدة ولم يحي قال له السلطان أحي أو ارفع يدك عنه فان ذكر عذراً واستمهله أمهله مدة قريبة يستعد فيها للعمارة والنظر في تقديرها وليس لطول المدة الواقعة بعد التحجر حد معين وإنما الرجوع فيه إلى العادة قال الإمام وحق المتحجر يبطل بطول الزمان وتركه العمارة وإن لم يرفع الأمر إلى السلطان ولم يخاطبه بشيء لأن التحجر ذريعة إلى العمارة وهي لا تؤخر عن التحجر إلا بقدر تهيئة أسبابها ولهذا لا يصح تحجر من لا يقدر على تهيئة الأسباب كمن يتحجر ليعمر في السنة القابلة وكفقير يتحجر ليعمر إذا قدر فوجب إذا أخر وطال أن يعود مواتاً كما كان هذا كلام الإمام وحكى الشيخ أبو حامد مثله عن أبي إسحاق ثم قال عندي أنه لا يبطل إلا بالرفع إلى السلطان ومخاطبته‏.‏

فرع بادر أجنبي قبل أن يبطل حق المتحجر لو بادر أجنبي قبل أن يبطل حق المتحجر فأحيا ما تحجره ملكه المحيي على الأصح المنصوص لأنه حقق سبب الملك وإن كان ظالماً كما لو دخل في سوم أخيه واشترى‏.‏

والثاني لا يملك لئلا يبطل حق غيره‏.‏

والثالث أنه إن انضم إلى التحجر إقطاع السلطان لم يملك المحيي وإلا فيملك‏.‏

والرابع إن أخذ المتحجر في العمارة لم يملك المبادر وإلا فيملك وشبهوا المسألة بالخلاف فيما إذا عشش الطائر في ملكه وأخذ الفرخ غيره هل يملكه قلت والأصح أيضاً أنه يملكه وكذا لو توحل ظبي في أرضه أو وقع الثلج فيها ونحو ذلك وقد فرع لو باع المتحجر ما تحجره وقلنا بالصحيح إنه لا يملك لم يصح بيعه عند الجمهور وقال أبو إسحاق وغيره يصح وكأنه يبيع حق الاختصاص وعلى هذا لو باع فأحياه في يد المشتري رجل وقلنا يملك فهل يسقط الثمن أم لا لحصول التلف بعد القبض وجهان‏.‏

قلت أصحهما الثاني وإذا قلنا لا يصح البيع فأحياه المشتري قبل الحكم بفسخ البيع فهل يكون له أم للبائع فيه وجهان حكاهما الشاشي والصحيح الأول والله أعلم‏.‏

فرع لإقطاع الإمام مدخل في الموات وفائدته مصير المقطع أحق بإحيائه كالمتحجر وإذا طالت المدة أو أحياه غيره فالحكم كما سبق في المتحجر ولا يقطع إلا لمن يقدر على الإحياء وبقدر ما يقدر عليه‏.‏

 فصل في بيان الاحياء

قال الأصحاب المعتبر ما يعد إحياء في العرف ويختلف باختلاف يقصد به وتفصيله بمسائل‏.‏

إحداها إذا أراد المسكن اشترط التحويط بالآجر أو اللبن أو الطين أو القصب أو الخشب الثانية إذا أراد زريبة للدواب أو حضيرة فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب أو الحشيش اشترط التحويط ولا يكفي نصب سعف وأحجار من غير بناء لأن المتملك لا يقتصر على مثله في العادة وإنما يفعله المجتاز ولو حوط البناء في طرف واقتصر للباقي على نصب الأحجار والسعف حكى الإمام عن القاضي أنه يكفي وعن شيخه المنع ولا يشترط التسقيف هنا وفي تعليق الباب الخلاف السابق‏.‏

الثالثة إذا أراد مزرعة اشترط أمور‏.‏

أحدها جمع التراب لينفصل المحيا عن غيره وفي معناه نصب قصب وحجر وشوك ولا حاجة إلى التحويط وقال الشيخ أبو حامد عندي إذا صارت الأرض مزرعة بماء سيق إليها فقد تم الإحياء وإن لم يجمع التراب حولها‏.‏

الثاني تسوية الأرض بطم المنخفض وكسح المستعلي وحراثتها وتليين ترابها فان لم يتيسر ذلك إلا بماء يساق إليها فلا بد منه لتتهيأ للزراعة‏.‏

الثالث ترتيب ماء لها بشق ساقية من نهر أو بحفر بئر أو قناة وسقيها هل يشترط ذلك أطلق جماعة اشتراطه والأصح ما ذكره ابن كج وغيره أن الأرض إن كانت بحيث يكفي لزراعتها ماء السماء لم يشترط السقي وترتيب ماء على الصحيح وإن كانت تحتاج إلى ماء يساق إليها اشترط تهيئة ماء من عين أو بئر أو غيرهما وإذا هيأه نظر إن حفر له الطريق ولم يبق إلا إجراء الماء كفى ولم يشترط الإجراء ولا سقي الأرض وإن لم يحفر بعد فوجهان وأما أرض الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليها ولا يصيبها إلا ماء السماء فمال صاحب التقريب إلى أنه لا مدخل للأحياء فيها وبه قال القفال وبنى عليه أما إذا وجدنا شيئاً من تلك الأرض في يد إنسان لم نحكم بأنه ملكه ولا نجوز بيعه وإجارته ومن الأصحاب من قال يملك بالحراثة وجمع التراب على الأطراف واختاره القاضي حسين ولا تشترط الزراعة لحصول الملك في المزرعة على الأصح لأنها استيفاء منفعة وهو خارج عن الإحياء وكما لا يشترط في الدار أن يسكنها‏.‏

المسألة الرابعة إذا أراد بستاناً أو كرماً فلا بد من التحويط والرجوع فيما يحوط به إلى العادة قاله ابن كج وقال فإن كانت عادة البلد بناء جدار اشترط البناء وإن كان عادتهم التحويط بالقصب والشوك وربما تركوه أيضاً كما في البصرة وقزوين اعتبرت عادتهم وحينئذ يكفي جمع التراب حواليه كالمزرعة والقول في سوق الماء إليه كما سبق في المزرعة ويعتبر غرس الأشجار على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل لا يعتبر إذا لم يعتبر الزرع في المزرعة والفرق على المذهب أن اسم المزرعة يقع على الأرض قبل الزرع بخلاف البستان قبل الغرس ولأن الغرس يدوم فألحق بأبنية الدار بخلاف الزرع‏.‏

طرق الأصحاب متفقة على أن الإحياء يختلف باختلاف ما يقصده المحيي من مسكن وحظيرة وغيرهما وذكر الإمام شيئين‏.‏

أحدهما أن القصد إلى الإحياء هل يعتبر لحصول الملك فقال ما لا يفعله في العادة إلا المتملك كبناء الدار واتخاذ البستان يفيد الملك وإن لم يوجد قصد وما يفعله المتملك وغيره كحفر البئر في الموات وكزراعة قطعة من الموات اعتماداً على ماء السماء إن انضم إليه قصد أفاد الملك وإلا فوجهان وما لا يكتفي به المتملك كتسوية موضع النزول وتنقيته عن الحجارة لا يفيد الملك وإن قصده شبه ذلك بالاصطياد بنصب الأحبولة في مدارج الصيود يفيد ملك الصيد وإغلاق الباب إذا دخل الصيد الدار على قصد التملك يفيد الملك ودونه وجهان وتوحل الصيد في أرضه التي سقاها لا يفيد الملك وإن قصده‏.‏

الشيء الثاني إذا قصد نوعاً وأتى بما يقصد به نوع آخر أفاد الملك حتى إذا حوط البقعة يملكها وإن قصد المسكن لأنه مما يملك به الزريبة لو قصدها قال الإمام الرافعي رحمه الله تعالى أما الكلام الأول فمقبول لا يلزم منه مخالفة الأصحاب بل إن قصد شيئاً اعتبرنا في كل مقصود ما فصلوه وإلا نظرنا فيما أتى به وحكمنا بما ذكره وأما الثاني فمخالفته لما ذكره الأصحاب صريحة لما فيه من الاكتفاء بأدنى العمارات أبداً‏.‏

لم يحصل الإحياء ما لم يصل إلى الماء وإذا وصل كفى إن كانت الأرض صلبة وإلا فيشترط أن تطوى وقال الإمام لا حاجة إليه وفي حفر القناة يتم الإحياء بخروج الماء وجريانه‏.‏

ولو حفر نهراً ليجري الماء فيه على قصد التملك فإذا انتهى رأس النهر الذي يحفره إلى النهر القديم وجرى الماء فيه ملكه كذا قاله البغوي وغيره وفي التتمة أن الملك لا يتوقف على إجراء الماء فيه لأنه استيفاء منفعة كالسكون في الدار‏.‏

قلت هذا الثاني أقوى والله أعلم‏.‏

 فصل في الحمى

هو أن يحمي بقعة من الموات لمواش بعينها ويمنع سائر الناس الرعي فيها وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمي لخاصة نفسه ولكنه لم يفعله صلى الله عليه وسلم وإنما حمى النقيع لإبل الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين‏.‏

قلت النقيع بالنون عند الجمهور وهو الصواب وقيل بالباء الموحدة وبقيع الغرقد بالباء قطعاً والله أعلم‏.‏

وأما غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس للآحاد الحمى قطعاً ولا للأئمة لأنفسهم وفي حماهم لمصالح المسلمين قولان أظهرهما الجواز وقيل يجوز قطعاً فإذا جوزناه فهل يختص بالإمام الأعظم أم يجوز أيضاً لولاته في النواحي وجهان حكاهما ابن كج وغيره أصحهما الثاني وسواء حمى لخيل المجاهدين أم لنعم الجزية والصدقة والضوال ومال الضعفاء عن الإبعاد في طلب النجعة ثم لا يحمي إلا الأقل الذي لا يبين ضرره على الناس ولا يضيق الأمر عليهم ثم ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم نص فلا ينقض ولا يغير بحال هذا هو المذهب وقيل إن بقيت الحاجة التي حمى لها لم يغير وإن زالت فوجهان أصحهما المنع لأنه تغيير المقطوع بصحته باجتهاد وأما حمى غيره صلى الله عليه وسلم فإذا ظهرت المصلحة في تغييره جاز نقضه ورده إلى ما كان على الأظهر رعاية للمصلحة وفي قول لا يجوز كالمقبرة والمسجد وقيل يجوز للحامي نقض حماه ولا يجوز لمن بعده من الأئمة وإذا جوزنا نقضه فأحياه رجل بإذن الإمام ملكه وكان الإذن في الإحياء نقضاً وإن استقل المحيي فوجهان ويقال قولان مخصوصان أصحهما المنع لما فيه من الاعتراض على تصرف الإمام وحكمه‏.‏

قلت بقيت من الحمى مسائل مهمة‏.‏

منها لو غرس أو بنى أو زرع في النقع نقضت عمارته وقلع زرعه وغرسه ذكره القاضي أبو حامد في جامعه‏.‏

ومنها أن الحمى ينبغي أن يكون عليه حفاظ من جهة الإمام أو نائبه وأن يمنع أهل القوة من إدخال مواشيهم ولا يمنع الضعفاء ويأمره الإمام بالتلطف بالضعفاء من أهل الماشية كما فعل عمر رضي الله عنه قال القاضي أبو حامد فإن كان للإمام ماشية لنفسه لم يدخلها الحمى لأنه من أهل القوة فإن فعل فقد ظلم المسلمين‏.‏

ومنها لو دخل الحمى من هو من أهل القوة فرعى ماشيته قال أبو حامد فلا شيء عليه ولا غرم ولا تعزير ولكن يمنع من الرعي ونقل ابن كج أيضاً عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا غرم عليه وليس هذا مخالفاً لما ذكرناه في كتاب الحج أن من أتلف شيئاً من شجر النقيع أو حشيشه ضمنه على الأصح‏.‏

ومنها أن عامل الصدقات إذا كان يجمعها في بلد هل له أن يحمي موضعاً لا يتضرر به أهل البلد ليرعاها فيه قال أبو حامد قيل له ذلك ولم يذكر خلافه وقال ابن كج إن منعنا حمى الإمام فذا أولى وإلا فقولان‏.‏

ومنها لا يجوز للإمام أن يحمي الماء المعد لشرب خيل الجهاد وإبل الصدقة والجزية وغيرها بلا خلاف ذكره الشيخ نصر في تهذيبه قال أصحابنا إذا حمى الإمام وقلنا لا يجوز حماه فهو على أصل الإباحة من أحياه ملكه‏.‏

ومنها أنه يحرم على الإمام وغيره من الولاة أن يأخذ من أصحاب المواشي عوضاً عن الرعي في الحمى أو الموات وهذا لا خلاف فيه وقد نص عليه الماوردي في الأحكام وقاله آخرون والله أعلم‏.‏

 الباب الثاني في المنافع المشتركة

وغيرها بقاع الأرض إما مملوكة وإما محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع والمساجد والمقابر والرباطات وإما منفكة عن الحقوق العامة والخاصة وهي الموات أما المملوكة فمنفعتها تتبع الرقبة وأما الشوارع فمنفعتها الأصلية الطروق ويجوز الوقوف والجلوس فيها لغرض الإستراحة والمعاملة ونحوهما بشرط أن لا يضيق على المارة سواء أذن فيه الإمام أم لا وله أن يظلل على موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة من ثوب وبارية ونحوهما وفي بناء الدكة ما ذكرناه في كتاب الصلح ولو سبق اثنان إلى موضع فهل يقرع بينهما أم يقدم الإمام أحدهما وجهان أصحهما الأول وفي ثبوت هذا الارتفاق لأهل الذمة وجهان حكاهما ابن كج وهل لإقطاع فيه مدخل وجهان أصحهما عند الجمهور نعم وهو المنصوص لأن له نظرا فيه ولهذا يزعج من أضر جلوسه وأما إذا تملك شيء من ذلك فلا سبيل إليه بحال وحكي وجه في الرقم للعبادي وشرح مختصر الجويني لابن قلت وليس للإمام ولا غيره من الولاة أن يأخذ ممن يرتفق بالجلوس والبيع ونحوه في الشوارع عوضاً بلا خلاف والله علم‏.‏

فرع من جلس في موضع من الشارع ثم قام عنه إن كان جلوسه لاستراحة وشبهها بطل حقه وإن كان لحرفة ومعاملة فإن فارقه على أن لا يعود لتركه الحرفة أو لقعوده في موضع آخر بطل حقه أيضاً وإن فارقه على أن يعود فالمذهب ما ضبطه الإمام والغزالي أنه إن مضى زمن ينقطع فيه الذين ألفوا معاملته بطل وإن كان دونه فلا وسواء فارق بعذر سفر ومرض أو بلا عذر فعلى هذا لا يبطل حقه بالرجوع في الليل إلى بيته وليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني وكذا الأسواق التي تقام في كل أسبوع أو في كل شهر مرة إذا اتخذ فيها مقعداً كان أحق به في النوبة الثانية وقال الاصطخري إذا رجع ليلا فمن سبقه أحق وقال طائفة منهم القاضي وابن الصباغ إن جلس بإقطاع الإمام لم يبطل بقيامه وإن استقل وترك فيه شيئاً من متاعه بقي حقه وإلا فلا وإذا قلنا بالأول فأراد غيره الجلوس فيه مدة غيبته القصيرة إلى أن يعود فإن كان لغير معاملة لم يمنع قطعاً وإلا لم يمنع أيضاً على الأصح‏.‏

قلت وإذا وضع الناس الأمتعة وآلات البناء ونحو ذلك في مسالك الأسواق والشوارع ارتفاقاً لينقلوها شيئاً بعد شيء منعوا منه إن أضر بالمارة إضراراً ظاهراً وإلا فلا ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية والله أعلم‏.‏

فرع يختص الجالس أيضاً بما حوله بقدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف معامليه وليس لغيره أن يقعد حيث يمنع رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه أو يضيق عليه الكيل أو الوزن والأخذ والعطاء‏.‏

قلت وليس له منع من قعد لبيع مثل متاعه إذا لم يزاحمه فيما يختص به من المرافق المذكورة والله أعلم‏.‏

فرع الجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق يبطل حقه بمفارقته‏.‏

 فصل الجلوس في المسجد لأغراض

وأما المسجد فالجلوس فيه يكون لأغراض منها أن يجلس ليقرأ عليه القرآن أو الحديث أو الفقه ونحوها أو ليستفتى قال أبو عاصم العبادي والغزالي حكمه كمقاعد الأسواق لأن له غرضاً في ملازمته ذلك الموضع ليألفه الناس وقال الماوردي متى قام بطل حقه وكان السابق أحق به والأول أشبه بمأخذ الباب‏.‏

قلت هذا المنقول عن الماوردي حكاه في الأحكام السلطانية عن جمهور الفقهاء وعن مالك رضي الله عنه أنه أحق فمقتضى كلامه أن الشافعي وأصحابه من الجمهور رضي الله عنهم والله أعلم‏.‏

ومنها أن يجلس للصلاة فلا اختصاص له في صلاة أخرى وأما الصلاة الحاضرة فهو أحق فإن فارق بغير عذر بطل حقه فيها أيضاً وإن كان بعذر فإن فارق لقضاء حاجة أو تجديد وضوء أو رعاف أو إجابة داع ونحوها لم يبطل اختصاصه على الصحيح للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحق به إذا عاد إليه ‏"‏ ولا فرق على الوجهين بين أن يترك إزاره أم لا ولا بين أن يطرأ العذر بعد الشروع في الصلاة أو قبله وإن اتسع الوقت‏.‏

ومنها الجلوس للبيع والشراء والحرفة وهو ممنوع منه‏.‏

قلت ومنها الجلوس للاعتكاف وينبغي أن يقال له الاختصاص بموضعه ما لم يخرج من المسجد إن كان اعتكافاً مطلقاً وإن نوى اعتكاف أيام فخرج لحاجة جائزة ففي بقاء اختصاصه إذا رجع ومنها الجالس لاستماع الحديث والوعظ والظاهر أنه كالصلاة فلا يختص فيما سوى ذلك المجلس ولا فيه إن فارقه بلا عذر ويختص إن فارق بعذر على المختار ويحتمل أن يقال إن كان له عادة بالجلوس بقرب كبير المجلس وينتفع الحاضرون بقربه منه لعلمه ونحو ذلك دام اختصاصه في كل مجلس بكل حال وأما مجلس الفقيه في موضع معين حال تدريس المدرس في المدرسة أو المسجد فالظاهر فيه دوام الاختصاص لاطراد العرف وفيه احتمال والله أعلم‏.‏

M0 رع يمنع الناس من استطراق حلق القراء والفقهاء في المسجد توقيراً لها‏.‏

فرع قال الإمام لا شك في انقطاع تصرف الإمام وإقطاعه عن بقاع المسجد فإن المساجد لله تعالى ويخدشه شيئان‏.‏

أحدهما ذكر الماوردي أن الترتب في المسجد للتدريس والفتوى كالترتب للإمامة فلا يعتبر إذن الإمام في مساجد المحال ويعتبر في الجوامع وكبار المساجد إذا كانت عادة البلد فيه الاستئذان فجعل لإذن الإمام أثر‏.‏

الثاني عند الشيخ أبو حامد وطائفة رحاب المسجد مع مقاعد الأسواق فيما يقطع للارتفاق بالجلوس فيه للبيع والشراء وهذا كما يقدح في نفي الإقطاع يخالف المعروف في المذهب في المنع من الجلوس في المسجد للبيع والشراء إلا أن يراد بالرحاب الأفنية الخارجة عن حد المسجد‏.‏

قلت قال الماوردي في الأحكام إن حريم الجوامع والمساجد إن كان الارتفاق به مضراً بأهل المساجد منع منه ولم يجز للسلطان الإذن فيه وإلا جاز وهل يشترط فيه إذن السلطان وجهان والله أعلم‏.‏

 فصل الرباطات المسبلة في الطرق

وعلى أطراف البلاد من سبق إلى موضع منها صار أحق به وليس لغيره إزعاجه سواء دخل بإذن الإمام أم بغيره ولا يبطل حقه بالخروج لشراء طعام ونحوه ولا يشترط تخليفه نائباً له في الموضع ولا أن يترك متاعه لأنه قد لا يجد أميناً فإن ازدحم اثنان ولا سبق فعلى ما سبق في مقاعد الأسواق وكذا الحكم في المدارس والخوانق إذا نزلها من هو من أهلها وإذا سكن بيتاً منها مدة ثم غاب أياماً قليلة فهو أحق إذا عاد وإن طالت غيبته بطل حقه‏.‏

قلت والرجوع في الطول إلى العرف ولو أراد غيره النزول فيه في مدة غيبة الأول على أن يفارقه إذا جاء الأول فينبغي أن يجوز قطعاً أو يكون على الوجهين السابقين في الموضع من الشارع ويجوز لغير سكان المدرسة من الفقهاء والعوام دخولها والجلوس فيها والشرب من مياهها والاتكاء والنوم فيها ودخول سقايتها ونحو ذلك مما جرى العرف به وأما سكنى غير الفقهاء في بيوتها فإن كان فيه نص من الواقف بنفي أو إثبات اتبع وإلا فالظاهر منعه وفيه احتمال في بلد جرت به العادة والله أعلم‏.‏

فرع النازلون في موضع من البادية أحق به وبما حواليه بقدر ما يحتاجون إليه لمرافقهم ولا يزاحمون في الوادي الذي سرحوا إليه مواشيهم إلا أن يكون فيه كفاية للجميع وإذا رحلوا بطل اختصاصهم وإن بقي أثر الفساطيط ونحوها‏.‏

قلت ولو أرادت طائفة النزول في موضع من البادية للاستيطان قال الماوردي إن كان نزولهم مضراً بالسابلة منعهم السلطان قبل النزول أو بعده وإن لم يضر راعى الأصلح في نزولهم ومنعهم ونقل غيرهم إليها فإن نزلوا بغير إذنه لم يمنعهم كما لا يمنع من أحيا مواتاً بغير إذنه ودبرهم بما يراه صلاحاً لهم وينهاهم عن إحداث زيادة إلا بإذنه والله أعلم‏.‏

 فصل المرتفق بالشارع والمساجد إذا طال مقامه هل يزعج

وجهان أصحهما لا لأنه أحد المرتفقين وقد سبق والثاني نعم لتميز المشترك من المملوك وأما الربط الموقوفة فإن عين الواقف مدة المقام فلا مزيد عليها وكذا لو وقف على المسافرين وإن أطلق الواقف نظر إلى الغرض الذي بنيت له وعمل بالمعتاد فيه فلا يمكن من الإقامة في ربط المارة إلا لمصلحتها أو لخوف يعرض أو أمطار تتواتر وفي المدرسة الموقوفة على طلبة العلم يمكن من الإقامة إلى إتمام غرضه فإن ترك التعلم والتحصيل أزعج وفي الخانقاه لا يمكن هذا الضبط ففي الإزعاج إذا طال مقامه ما سبق في الشوارع‏.‏

 الباب الثالث في الأعيان الخارجة من الأرض فيه طرفان‏.‏

 الطرف الأول في المعادن

وهي البقاع التي أودعها الله تعالى شيئاً من الجواهر المطلوبة وهي قسمان ظاهرة وباطنة‏.‏

فالظاهرة هي التي يبدو جوهرها بلا عمل وإنما السعي والعمل لتحصيله ثم تحصيله قد يسهل وقد يكون فيه تعب وذلك كالنفط وأحجار الرحى والبرام والكبريت والقطران والقار والمومياء وشبهها فلا يملكها أحد بالإحياء والعمارة وإن زاد بها النيل ولا يختص بها أيضاً المتحجر وليس ولو حوط رجل على هذه المعادن وبنى عليها داراً أو بستاناً لم يملك البقعة لفساد قصده وأشار في الوسيط إلى خلاف فيه والمعروف الأول وإذا ازدحم اثنان على معدن ظاهر وضاق المكان فالسابق أولى ثم قال الجمهور يقدم بأخذ قدر حاجته ولم يبينوا أنها حاجة يوم أو سنة قال الإمام والرجوع فيه إلى العرف فيأخذ ما تقتضيه العادة لأمثاله وإذا أراد الزيادة على ما يقتضيه حق السبق فهل يزعج أم يأخذ ما شاء وجهان أصحهما عند الأصحاب يزعج‏.‏

فأما إذا جاءا معاً فالأصح أنه يقرع بينهما والثاني يجتهد الإمام ويقدم من يراه أحوج وأحق والثالث ينصب من يقسم الحاصل بينهما وقال العراقيون الأوجه فيما إذا كانا يأخذان للحاجة فإن كانا يأخذان للتجارة يهايأ بينهما فإن تشاحا في الابتداء أقرع بينهما والأشهر إطلاق الأوجه وعلى مقتضى قول العراقيين إذا كان أحدهما تاجراً والآخر محتاج يشبه أن يقدم المحتاج‏.‏

فرع المعادن الظاهرة من المعادن الظاهرة الملح الذي ينعقد من الماء وكذا الجبلي إن كان ظاهراً لا يحتاج إلى حفر وتنحية تراب والجص والمدر وأحجار النورة وفي بعض شروح المفتاح عد الملح الجبلي من المعادن الباطنة وفي التهذيب عد الكحل والجص منهما وهما محمولان على ما إذا أحوج إظهارهما إلى حفر ولو كان بقرب الساحل بقعة لو حفرت وسيق الماء إليها ظهر فيها الملح فليست هي من المعادن الظاهرة لأن المقصود منها يظهر بالعمل فللإمام إقطاعها ومن حفرها وساق الماء إليها وظهر الملح ملكها كما لو أحيا مواتاً‏.‏

القسم الثاني المعادن الباطنة وهي التي لا يظهر جوهرها إلا بالعمل والمعالجة كالذهب والفضة والفيروزج والياقوت والرصاص والنحاس والحديد وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض وتردد الشيخ أبو محمد في أن حجر الحديد ونحوه من الباطنة أم الظاهرة لأن ما فيها من الجوهر باد والمذهب أنه باطن لأن الحديد لا يستخرج منه إلا بعلاج وليس البادي على الحجر عين الحديد وإنما هو في مخيلته‏.‏

ولو أظهر السيل قطعة ذهب أو أتى بها التحقت بالمعادن الظاهرة إذا ثبت هذا فالمعدن الباطن هل يملك بالحفر والعمل قولان لتردده بين الموات والمعدن الظاهر أظهرهما لا رجحه الشافعي والأصحاب رحمهم الله فإن قلنا يملك فذاك إذا قصد التملك وحفر حتى ظهر النيل فأما قبل الظهور فهو كالمتحجر وهذا كما إذا حفر بئراً في الموات على قصد التملك ملكها إذا وصل إلى الماء وإذا اتسع الحفر ولم يوجد النيل إلا في الوسط أو في بعض الأطراف لم يقصر الملك على موضع النيل بل يملك أيضاً مما حواليه مما يليق تحريمه وهو قدر ما يقف فيه الأعوان والدواب ومن جاوز ذلك وحفر لم يمنع وإن وصل إلى العروق ويجوز للسلطان أن يقطعه كالموات وإن قلنا لا يملك فالسابق إلى موضع منه أحق به لكن إذا طال مقامه ففي إزعاجه ما ذكرناه في المعادن الظاهرة وقيل لا يزعج هنا قطعاً لأن هناك يمكن الأخذ دفعة فلا حاجة حلى الإطالة وهنا لا يحصل إلا بمشقة فقدم السابق ولو ازدحم اثنان فعلى الأوجه التي هناك وفي جواز إقطاعها على هذا القول قولان أحدهما المنع كالمعادن الظاهرة وأظهرهما الجواز ولا يقطع إلا قدراً يتأتى للمقطع العمل عليه والأخذ منه وعلى القولين يجوز العمل في المعدن الباطن والأخذ منه بغير إذن الإمام فإنه إما كالمعدن الظاهر وإما كالموات‏.‏

فرع لو أحيا مواتاً ثم ظهر فيه معدن باطن ملكه بلا خوف لأنه بالإحياء ملك الأرض بأجزائها إن لم يعلم بها معدناً فإن علم واتخذ عليه داراً فطريقان أحدهما على القولين السابقين والثاني القطع بالملك وأما البقعة المحياة فقال الإمام ظاهر المذهب أنها لا تملك لأن المعدن لا يتخذ داراً ولا مزرعة فالقصد فاسد وقيل يملكها وكأن ما ذكرناه من الخلاف في المعادن الظاهرة من الوسيط مأخوذ من هذا‏.‏

مما يتفرع على القولين في المعدن الباطن أنه إذا عمل عليه في الجاهلية هل يملك وهل يجوز إقطاعه إن قلنا يملك بالحفر والعمل فهو ملك للغانمين وإلا ففي جواز إقطاعه القولان السابقان‏.‏

فرع مالك المعدن الباطن لا يصح منه بيعه على الصحيح لأن مقصوده النيل وهو متفرق في طبقات الأرض مجهول القدر والصفة فهو كبيع قدر مجموع من تراب المعدن وفيه النيل وهو باطل وحكى الإمام وجهاً في جوازه لأن المبيع رقبة المعدن والنيل فائدته‏.‏

فرع لو تملك معدناً باطناً فجاء غيره واستخرج منه نيلا بغير إذنه لزمه رده ولا أجرة له ولو قال المالك اعمل فيه واستخرج النيل لي ففعل ففي استحقاقه الأجرة الخلاف فيمن قال اغسل ثوبي فغسل‏.‏

ولو قال اعمل فما استخرجته فهو لك أو قال استخرج لنفسك فالحاصل لمالك المعدن لأنه هبة مجهول وكان يمكن تشبيهه بإباحة ثمار البستان ولكن المنقول الأول وفي استحقاقه الأجرة وجهان لكونه عمل لنفسه لكن لم يقع له ولا هو متبرع وبثبوتها قال ابن سريج‏.‏

ولو قال اعمل فما استخرجته فهو بيننا مناصفة أو قال فلك منه عشرة دراهم لم يصح لأن الأول أجرة مجهولة والثاني قد لا يحصل هذا القدر‏.‏

 الطرف الثاني في المياه وهي قسمان

أحدهما المباحة النابعة في موضع لا يختص بأحد ولا صنع للآدميين في إنباطه وإجرائه كالفرات وجيحون وسائر أودية العالم والعيون في الجبال وسيول الأمطار فالناس فيها سواء فإن حضر اثنان فصاعداً أخذ كل ما شاء فإن قل الماء أو ضاق المشرع قدم السابق فإن جاءا معاً أقرع وإن أراد واحد السقي وهناك محتاج للشرب فالشارب أولى قاله المتولي ومن أخذ منه شيئاً في إناء أو جعله في حوض ملكه ولم يكن لغيره مزاحمته فيه كما لو احتطب وفي النهاية وجه أنه لا يملكه لكنه أولى به من غيره والصحيح الأول وبه قطع الجمهور وإن دخل شيء منه ملك إنسان بسيل فليس لغيره أخذه ما دام فيه لامتناع دخول ملكه بغير إذنه فلو فعل فهل يملكه أم للمالك استرداده وجهان أصحهما الأول فإذا خرج من أرضه أخذه من شاء‏.‏

فرع إذا أراد قوم سقي أرضيهم من مثل هذا الماء فإن كان النهر عظيماً يفي بالجميع سقى من شاء متى شاء وإن كان صغيراً أو كان الماء يجري من النهر العظيم في ساقية غير مملوكة بأن انخرقت بنفسها سقى الأول أرضه ثم يرسله إلى الثاني ثم الثاني إلى الثالث وكم يحبس الماء في أرضه وجهان الذي عليه الجمهور أنه يحبسه حتى يبلغ الكعبين والثاني يرجع في قدر السقي إلى العادة والحاجة وقد قال الماوردي ليس التقدير بالكعبين في كل الأزمان والبلدان لأنه مقدر بالحاجة والحاجة تختلف وباختلاف الأرض باختلاف ما فيها من زرع وشجر وبوقت الزراعة ووقت السقي‏.‏

وحكي وجه عن الداركي أن الأعلى لا يقدم على الأسفل لكن يسقون بالحصص وهذا غريب باطل ولو كانت أرض الأعلى بعضها مرتفعاً وبعضها منخفضاً ولو سقيا معاً لزاد الماء في المنخفضة على الحد المستحق أفرد كل بعض بالسقي بما هو طريقه‏.‏

قلت طريقه أن يسقي المنخفض حتى يبلغ الكعبين ثم يسده ثم يسقي المرتفع والله أعلم‏.‏

وإذا سقى الأول ثم احتاج إلى السقي مرة أخرى مكن منه على الصحيح فلو تنازع اثنان أرضاهما متحاذيتان أو أرادا شق النهر من موضعين متحاذيين يميناً وشمالا فهل يقرع أو يقسم بينهما أو يقدم الإمام من يراه فيه ثلاثة أوجه حكاها العبادي‏.‏

قلت أصحها يقرع والله أعلم‏.‏

ولو أراد رجل إحياء موات وسقيه من هذا النهر نظر إن ضيق على السابقين منع لأنهم استحقوا أرضهم بمرافقها والماء من أعظم مرافقها وإلا فلا منع‏.‏

فرع عمارة حافات هذه الأنهار من وظائف بيت المال‏.‏

فرع يجوز أن يبني عليها من شاء قنطرة لعبور الناس إن كان مواتاً وأما ما بين العمران فهو كحفر البئر في الشارع لمصلحة المسلمين ويجوز بناء الرحى عليها إن كان الموضع ملكاً له أو مواتاً محضاً وإن كان بين الأرض المملوكة وتضرر الملاك لم يجز وإلا فوجهان أحدهما المنع كالتصرف في سائر مرافق العمارات وأصحهما الجواز كإشراع الجناح في السكة النافذة‏.‏

 فصل هذا الذي سبق إذا لم تكن الأنهار والسواقي مملوكة

أما إذا كانت مملوكة بأن حفر نهراً يدخل فيه الماء من الوادي العظيم أو من النهر المنخرق منه فالماء باق على إباحته لكن مالك النهر أحق به كالسيل يدخل ملكه فليس لأحد مزاحمته لسقي الأرضين وأما للشرب والاستعمال وسقي الدواب فقال الشيخ أبو عاصم والمتولي ليس له المنع ومنهم من أطلق أنه لا يدلي أحد فيه دلواً ويجوز لغيره أن يحفر فوق نهره نهراً إن لم يضيق عليه وإن ضيق فلا فان اشترك جماعة في الحفر اشتركوا في الملك على قدر عملهم فإن شرطوا أن يكون النهر بينهم على قدر ملكهم من الأرض فليكن عمل كل واحد على قدر أرضه فإن زاد واحد متطوعاً فلا شيء له على الباقين وإن زاد مكرهاً أو شرطوا له عوضاً رجع عليهم بأجرة ما زاد وليس للأعلى حبس الماء على الأسفل بخلاف ما إذا لم يكن النهر مملوكاً وإذا اقتسموا الماء بالأيام والساعات جاز ولكل واحد الرجوع متى شاء لكن لو رجع بعدما استوفى نوبته وقبل أن يستوفي الشريك ضمن له أجرة مثل نصيبه من النهر للمدة التي أجرى فيها الماء وإن اقتسموا الماء نفسه فعلى ما سنذكره في القناة المشتركة ولو أرادوا قسمة النهر وكان عريضاً جاز ولا يجري فيها الإجبار كما في الجدار الحائل ولو أراد الشركاء الذين أرضهم أسفل توسيع النهر لئلا يقصر الماء عنهم لم يجز إلا برضى الأولين لان تصرف الشريك في المشترك لا يجوز إلا برضى الشريك ولأنهم قد يتضررون بكثرة الماء وكذا لا يجوز للأولين تضييق النهر إلا برضى الآخرين وليس لأحد منهم بناء قنطرة أو رحى عليه ولا غرس شجرة على حافته إلا برضى الشركاء ولو أراد أحدهم تقديم رأس الساقية التي يجري فيها الماء إلى أرضه أو تأخيره لم يجز بخلاف ما لو قدم باب داره إلى رأس السكة المنسدة لأنه يتصرف هناك في الجدار المملوك وهنا في الحافة المشتركة ولو كان لأحدهم ماء في أعلى النهر فأجراه في النهر المشترك برضى الشركاء ليأخذه من الأسفل ويسقي به أرضه فلهم الرجوع متى شاءوا لأنه عارية وتنقية هذا النهر وعمارته يقوم بها الشركاء بحسب الملك وهل على كل واحد عمارة الموضع المتسفل عن أرضه وجهان أحدهما لا وبه قطع ابن الصباغ لأن المنفعة فيه للباقين والثاني نعم وهو الأصح عند العبادي لاشتراكهم وانتفاعهم به‏.‏

فرع كل أرض أمكن سقيها من هذا النهر إذا رأينا لها ساقية منه ولم نجد لها شرباً من موضع آخر حكمنا عند التنازع بأن لها شرباً منه ولو تنازع الشركاء في النهر في قدر أنصبائهم فهل يجعل على قدر الأرضين لأن الظاهر أن الشركة بحسب الملك أم بالسوية لأنه في أيديهم وجهان وبالأول قال الاصطخري رحمه الله تعالى‏.‏

قلت هو أصحهما والله أعلم‏.‏

فرع لو صادفنا نهراً تسقى منه أرضون ولم ندر أنه حفر أم انخرق حكمنا بأنه مملوك لأنهم أصحاب يد وانتفاع فلا يقدم بعضهم على بعض وأكثر هذه المسائل يشتمل عليها كتاب المياه للعبادي رحمه الله تعالى‏.‏

القسم الثاني المياه المختصة ببعض الناس وهي مياه الآبار والقنوات‏.‏

واعلم أن البئر يتصور حفرها على أوجه‏.‏

أحدها الحفر في المنازل للمارة‏.‏

والثاني الحفر في الموات على قصد الارتفاق لا للتملك كمن ينزل في الموات فيحفر للشرب وسقي الدواب‏.‏

والثالث الحفر بنية التملك‏.‏

والرابع الحفر الخالي عن هذه القصود‏.‏

فأما المحفورة للمارة فماؤها مشترك بينهم والحافر كأحدهم ويجوز الاستقاء منها للشرب وسقي الزروع فإن ضاق عنهما فالشرب أولى‏.‏

وأما المحفورة للارتفاق دون التملك فالحافر أولى بمائها إلى أن يرتحل لكن ليس له منع ما فضل عنه عن محتاج إليه للشرب إذا استقى بدلو نفسه ولا منع مواشيه وله منع غيره من سقي الزرع به وفيه احتمال للإمام لأنه لم يملكه والاختصاص يكون بقدر الحاجة وبهذا قطع المتولي فحصل قلت الأول هو الصحيح المعروف والله أعلم‏.‏

ويعتبر في ألفاضل الذي يجب بذله أن يفضل عن نفسه وماشيته وزرعه قال الإمام وفي المزارع احتمال على بعد‏.‏

قلت المراد الفاضل الذي يجب بذله لماشية غيره أما الواجب بذله لعطش آدمي محترم فلا يشترط فيه أن يفضل عن المزارع والماشية والله أعلم‏.‏

وإذا ارتحل المرتفق صارت البئر كالمحفورة للمارة فان عاد فهو كغيره‏.‏

وأما المحفورة للتملك وفي ملك فهل يكون ماؤها ملكاً وجهان أصحهما نعم وبه قال ابن أبي هريرة وهو المنصوص في القديم وحرملة لأنه نماء ملكه كالثمرة واللبن ويجري الخلاف فيما إذا انفجرت عين في ملكه فإن قلنا لا يملك فنبع وخرج منه ملكه من أخذه وإن قلنا بالأصح لا يملكه الآخذ ولو دخل رجل ملكه وأخذه ففي ملكه الوجهان وسواء قلنا يملك أم لا فلا يجب على صاحب البئر بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره على الصحيح ويجب بذله للماشية على الصحيح‏.‏

وللوجوب شروط أحدها أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحاً‏.‏

والثاني أن يكون هناك كلأ يرعى وإلا فلا يجب على المذهب وقال المتولي فيه وجهان‏.‏

ثم عابروا السبيل يبذل لهم ولمواشيهم وفيمن أراد الإقامة في الموضع وجهان لأنه لا ضرورة به إلى الإقامة‏.‏

قلت الأصح الوجوب كغيره وإذا وجب البذل مكن الماشية من حضور البئر بشرط أن لا يكون على صاحب الماء ضرر في زرع ولا ماشية فإن لحقه ضرر بورودها منعت لكن يجوز للرعاة استقاء فضل الماء لها قاله الماوردي والله أعلم‏.‏

وهل يجب البذل للرعاة كما يجب للماشية وجهان حكاهما ابن كج أصحهما يجب لأن البذل لسقاة الناس رعاة كانوا أو غيرهم أولى من البذل للماشية على أن الإمام نقل في المنع من الشرب على الاطلاق وجهين إذا قلنا مملوك وإذا أوجبنا البذل هل يجوز أن يأخذ عليه عوضاً كإطعام المضطر وجهان الصحيح لا للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء‏.‏

قلت قال الماوردي لو كان هناك ماءان مملوكان لرجلين لزمهما البذل فإن اكتفت الماشية ببذل أحدهما سقط الفرض عن الآخر قال وإذا لم توجد شروط وجوب البذل جاز لمالكه أخذ ثمنه إذا باعه مقدراً بكيل أو وزن ولا يجوز بيعه مقدراً بري الماشية ولا الزرع والله أعلم‏.‏

وأما المحفورة بلا قصد ففيها وجهان أصحهما لا اختصاص له بمائها والناس كلهم فيه سواء

 فصل حكم القنوات والآبار

في ملك مياهها حكم القنوات حكم الآبار في ملك مياهها وفي وجوب البذل وغيرهما إلا أن حفرها لمجرد الارتفاق لا يكاد يقع ومتى اشترك المتملكون في الحفر اشتركوا في الملك بحسب اشتراكهم في العمل أو الارتفاق كما ذكرنا في النهر المملوك ثم لهم قسمة الماء بأن تنصب خشبة مستوية الأعلى والأسفل في عرض النهر ويفتح فيها ثقب متساوية أو متفاوتة على قدر حقوقهم ويجوز أن تكون الثقب متساوية مع تفاوت الحقوق إلا أن صاحب الثلث يأخذ ثقبة والآخر ثقبتين ويسوق كل واحد نصيبه في ساقية إلى أرضه وله أن يدير رحى بما صار له ولا يشق أحد منهم ساقية قبل المقسم ولا ينصب عليه رحى وإن اقتسموا بالمهايأة جاز أيضاً وقد يكون الماء قليلا ينتفع به إلا كذلك ولكل واحد الرجوع كما ذكرنا في البئر هذا هو الصحيح المعروف وقيل تلزم المهايأة ليثق كل واحد بالانتفاع وقيل لا تصح القسمة بالمهايأة لأن الماء يقل ويكثر وتختلف فائدة السقي بالأيام‏.‏

قلت لو أراد أحدهم أن يأخذ نصيبه من الماء ويسقي به أرضاً ليس لها رسم شرب من هذا النهر منع منه لأنه يجعل شرباً لم يكن والله أعلم‏.‏

الذين يسقون أرضهم من الأودية المباحة لو تراضوا بمهايأة وجعلوا للأولين أياماً وللآخرين أياماً فهذه مسامحة من الأولين بتقدم الآخرين وليست بلازمة والظاهر أن من رجع من الأولين مكن من سقي أرضه‏.‏

 فصل في بيع الماء

أما المحرز في إناء أو حوض فبيعه صحيح على الصحيح وقد سبق فيه الوجه وليكن عمق الحوض معلوماً ولا يجوز بيع ماء البئر والقناة فيهما لأنه مجهول ويزيد شيئاً فشيئاً فيختلط فيتعذر التسليم وإن باع منه آصعاً فإن كان جارياً لم يصح إذ لا يمكن ربط العقد بمقدار وإن كان راكداً وقلنا إنه غير مملوك لم يصح وإن قلنا مملوك فقال القفال لا يصح أيضاً لأنه يزيد فيختلط المبيع والأصح الجواز كبيع صاع من صبرة وأما الزيادة فقليلة فلا تضر كما لو باع القت في الأرض بشرط القطع وكما لو باع صاعاً من صبرة وصب عليها صبرة أخرى فإن البيع بحاله ويبقى البيع ما بقي صاع من الصبرة ولو باع الماء مع قراره نظر إن كان جارياً فقال بعتك هذه القناة مع مائها أو إن لم يكن جارياً وقلنا إن الماء لا يملك لم يصح البيع في الماء وفي القرار قولا تفريق الصفقة وإلا فيصح ولو باع بئر الماء وأطلق أو باع داراً فيها بئر ماء جاز ثم إن قلنا يملك قال البغوي وعلى هذا لا يصح البيع حتى يشترط أن الماء الظاهر للمشتري لئلا يختلط الماءان وإن قلنا لا يملك فقد أطلقوا أن المشتري أحق بذلك الماء وليحمل على ما نبع بعد البيع فأما ما نبع قبله فلا معنى لصرفه إلى المشتري‏.‏

قلت هذا التأويل الذي قاله الإمام الرافعي فاسد فقد صرح الأصحاب بأن المشتري على هذا الوجه أحق بالماء الظاهر لثبوت يده على الدار وتكون يده كيد البائع في ثبوت الاختصاص به والله أعلم‏.‏

ولو باع جزءاً شائعاً من البئر أو القناة جاز وما ينبع مشترك بينهما إما اختصاصاً مجرداً وإما ملكاً‏.‏

فرع سقى أرضه بماء مملوك لغيره فالغلة لصاحب البذر وعليه قيمة الماء ولو استحل صاحب الماء كان الطعام أطيب‏.‏

قلت ومما يتعلق بالكتاب ما ذكره صاحب العدة أنه لو أضرم ناراً في حطب مباح بالصحراء لم يكن له منع من ينتفع بتلك النار فلو جمع الحطب ملكه فإذا أضرم فيه النار فله منع غيره منها والله أعلم‏.‏

فيه بابان‏.‏

 الباب الأول في أركانه وشروطه وفيه طرفان

الطرف الأول في أركانه وهي أربعة‏.‏

الركن الأول الواقف ويشترط كونه صحيح العبارة أهلا للتبرع‏.‏

الركن الثاني الموقوف وهو كل عين معينة مملوكة ملكاً يقبل النقل يحصل منها فائدة أو منفعة تستأجر لها احترزنا بالعين حق المنفعة وعن الوقف الملتزم في الذمة وبالمعينة عن وقف أحد عبديه وبالمملوكة عما لا يملك وبقبول النقل عن أم الولد والملاهي وأردنا بالفائدة الثمرة واللبن ونحوهما وبالمنفعة السكنى واللبس ونحوهما وقولنا تستأجر لها احتراز من الطعام ونحوه ونوضحه بمسائل‏.‏

إحداها يجوز وقف العقار والمنقول كالعبيد والثياب والدواب والسلاح والمصاحف والكتب سواء المقسوم والمشاع كنصف دار ونصف عبد ولا يسري الوقف من نصف إلى نصف‏.‏

فرع الثانية يجوز وقف ما يراد لعين تستفاد منه كالأشجار للثمار والحيوان للبن والصوف والوبر والبيض وما يراد لمنفعة تستوفى منه كالدار والأرض ولا يشترط حصول المنفعة والفائدة في الحال بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزمن الذي يرجى زوال زمانته كما يجوز نكاح الرضيعة‏.‏

الثالثة لا يصح وقف الحر نفسه لأن رقبته غير مملوكة وكذلك مالك منافع الأموال دون رقابها لا يصح وقفه إياها سواء ملك مؤقتاً كالمستأجر أم مؤبداً كالموصى له بالمنفعة‏.‏

الرابعة لا يصح وقف أم الولد على الأصح فإن صححنا فمات السيد عتقت قال المتولي لا يبطل الوقف بل تبقى منافعها للموقوف عليه كما لو أجرها ومات وقال الإمام تبطل لأن الحرية تنافي الوقف بخلاف الإجارة وهذا مقتضى كلام ابن كج ويجري الوجهان في صحة وقف المكاتب‏.‏

ويصح وقف المعلق عتقه بصفة فإذا وجدت الصفة فإن قلنا الملك في الوقف للواقف أو لله تعالى عتق وبطل الوقف وإن قلنا للموقوف عليه لم يعتق ويبقى الوقف بحاله ويجوز وقف المدبر ثم هو رجوع إن قلنا التدبير وصية فإن قلنا تعليق بصفة فهو كالمعلق عتقه‏.‏

الخامسة لا يصح وقف الكلب المعلم على الأصح وقيل لا يصح قطعاً لأنه غير مملوك‏.‏

السادسة في وقف الدراهم والدنانير وجهان كإجارتهما إن جوزناها صح الوقف لتكرى ويصح وقف الحلي لغرض اللبس وحكى الإمام أنهم ألحقوا الدراهم ليصاغ منها الحلي بوقف العبد الصغير وتردد هو فيه‏.‏

السابعة لا يصح وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالمطعوم والرياحين المشمومة لسرعة فسادها‏.‏

الثامنة وقف ثوبا أو عبداً في الذمة لم يصح كما لو أعتق عبداً في الذمة ولو وقف أحد عبديه لم يصح على الصحيح كالبيع وقيل يصح كالعتق‏.‏

التاسعة يجوز وقف علو الدار دون سفلها‏.‏

العاشرة يصح وقف الفحل للضراب بخلاف إجارته لأن الوقف قربة يحتمل فيها ما لا يحتمل في المعاوضات‏.‏

الحادية عشرة لا يصح وقف الملاهي‏.‏

فرع أجر أرضه ثم وقفها صح على المذهب وبه قطع الشيخ أبو علي لأنه مملوك بشرائطه وليس فيه إلا العجز عن صرف منفعته إلى جهة الوقف في الحال وذلك لا يمنع الصحة كما لو وقف ماله في يد الغاصب وفي فتاوى القفال أنه على الخلاف في الوقف المنقطع الأول وقيل إن وقفه على المسجد صح لمشابهته الاعتاق وإن وقف على إنسان فخلاف‏.‏

فرع استئجار الأرض للبناء أو الغرس استأجر أرضاً ليبني فيها أو يغرس ففعل ثم وقف البناء والغراس صح على الأصح ولو وقف هذا أرضه وهذا بناءه صح بلا خلاف كما لو باعاه وإذا قلنا بالصحة ومضت المدة وقلع مالك الأرض البناء فإن بقي منتفعاً به بعد القلع فهو وقف كما كان وإن لم يبق فهل يصير ملكاً للموقوف عليه أم يرجع إلى الواقف فيه وجهان وأرش النقص الذي يؤخذ من القالع يسلك به مسلك الوقف‏.‏

قلت الأصح صحة وقف ما لم يره ولا خيار له عند الرؤية والله أعلم‏.‏

الركن الثالث الموقوف عليه وهو قسمان‏.‏

القسم الأول أن يكون شخصاً معيناً أو جماعة معينين فشرطه أن يمكن تمليكه فيجوز الوقف على ذمي من مسلم وذمي كما تجوز الوصية له ولا يصح الوقف على الحربي والمرتد على الأصح لأنهما لا دوام لهما‏.‏

كالجنين ولا يصح على العبد نفسه قال جماعة هذا تفريع على قولنا لا يملك فإن ملكناه صح الوقف عليه وإذا عتق كان له دون سيده وعلى هذا قال المتولي لو وقف على عبد فلان وملكناه صح وكان الاستحقاق متعلقاً بكونه عبد فلان حتى لو باعه أو وهبه زال الاستحقاق ولك أن تقول الخلاف في أنه هل يملك مخصوص بما إذا ملكه السيد فأما إذا ملكه غيره فلا يملك بلا خلاف وحينئذ إذا كان الواقف غير السيد كان الوقف على من لا يملك أما إذا أطلق الوقف عليه فهو وقف على سيده كما لو وهب له أو أوصى له وإذا شرطنا القبول جاء خلاف في استقلاله به كالخلاف في أنه هل يستقل بقبول الهبة والوصية وقد سبق في باب معاملات العبيد‏.‏

فرع لو وقف على مكاتب قال الشيخ أبو حامد لا يصح كالوقف على القن وقال المتولي يصح في الحال وتصرف الفوائد إليه ونديم حكمه إذا عتق إن أطلق الوقف وإن قال تصرف الفوائد إليه ما دام مكاتباً بطل استحقاقه وإن عجز بأن لنا أن الوقف منقطع الابتداء‏.‏

فرع وقف على بهيمة وأطلق هل هو كالوقف على العبد حتى يكون وقفاً على مالكها وجهان أصحهما لا لأنها ليست أهلا بحال ولهذا لا تجوز الهبة لها والوصية والثاني نعم واختار القاضي أبو الطيب أنه يصح وينفق عليها منه ما بقيت وعلى هذا فالقبول لا يكون إلا من المالك وحكى المتولي في قوله وقفت على علف بهيمة فلان أو بهائم القرية وجهين كصورة الإطلاق قال والخلاف فيما إذا كانت البهيمة مملوكة فلو وقف على الوحوش أو علف الطيور المباحة فلا يصح بلا خلاف‏.‏

فرع وقف الإنسان على نفسه في وقف الإنسان على نفسه وجهان أصحهما بطلانه وهو المنصوص والثاني يصح قاله الزبيري وحكى ابن سريج أيضاً وحكى عنه ابن كج أنه يصح الوقف ويلغو شرطه وهذا بناء على أنه إذا اقتصر على قوله وقفت صح وينبغي أن يطرد في الوقف على من لا يجوز مطلقاً ولو وقف على الفقراء وشرط أن تقضى من غلة الوقف زكاته وديونه فهذا وقف على نفسه وغيره ففيه الخلاف وكذلك لو شرط أن يأكل من ثماره أو ينتفع به ولو استبقى الواقف لنفسه التولية وشرط أجرة وقلنا لا يجوز أن يقف على نفسه ففي صحة هذا الشرط وجهان كالوجهين في الهاشمي هل يجوز أن يأخذ سهم العاملين إذا عمل على الزكاة‏.‏

قلت الأرجح هنا جوازه قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ويتقيد ذلك بأجرة المثل ولا يجوز الزيادة إلا من أجاز الوقف على نفسه والله أعلم‏.‏

ولو وقف على الفقراء ثم صار فقيراً ففي جواز أخذه وجهان إذا قلنا لا يقف على نفسه لأنه لم يقصد نفسه وقد وجدت الصفة ويشبه أن يكون الأصح الجواز ورجح الغزالي المنع لأن مطلقة ينصرف إلى غيره‏.‏

واعلم أن للواقف أن ينتفع بأوقافه العامة كآحاد الناس كالصلاة في بقعة جعلها مسجداً والشرب من بئر وقفها ونحو ذلك‏.‏

قلت ومن هذا النوع لو وقف كتاباً على المسلمين للقراءة فيه ونحوها أو قدراً للطبخ فيها أو كيزاناً للشرب بها ونحو ذلك فله الانتفاع معهم والله أعلم‏.‏

فرع لو قال لرجلين وقفت على أحدكما لم يصح وفيه احتمال عن الشيخ أبي محمد‏.‏

القسم الثاني الوقف على غير معين كالفقراء والمساكين وهذا يسمى وقفاً على الجهة لأن الواقف يقصد جهة الفقر والمسكنة لا شخصاً بعينه فينظر في الجهة إن كانت على المعصية كعمارة الكنيسة وقناديلها وحصرها وكتب التوراة والإنجيل لم يصح سواء وقفه مسلم أو ذمي فنبطله إذا ترافعوا إلينا أما ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة فنقره حيث نقر الكنائس‏.‏

ولو وقف لسلاح قطاع الطريق أو لآلات سائر المعاصي فباطل قطعاً‏.‏

وإن لم تكن جهة معصية نظر فإن ظهر فيه قصد القربة كالوقف على المساكين وفي سبيل الله تعالى والعلماء والمتعلمين والمساجد والمدارس والربط والقناطر صح الوقف‏.‏

وإن لم يظهر القربة كالوقف على الأغنياء فوجهان بناء على أن المرعي بالوقف على الموصوفين جهة القربة أم التمليك فحكى الإمام عن المعظم أنه القربة ولهذا لا يجب استيعاب المساكين بل يجوز الاقتصار على ثلاثة منهم وعن القفال أنه قال التمليك كالوصية وكالوقف على المعين وهذا الوجه اختيار الإمام وشيخه وطرق العراقيين توافقه حتى ذكروا أن الوقف على المساجد والربط تمليك المسلمين منفعة الوقف فإن قلنا بالأول لم يصح الوقف على الأغنياء واليهود والنصارى والفساق والأصح الجميع ويجوز أن يخرج على هذا الأصل الخلاف في صحة الوقف على قبيلة كالعلوية وغيرهم ممن لا ينحصر فيهم في صحته قولان كالوصيته لهم فإن راعيناً القربة صح وإلا فلا لتعذر الاستيعاب والاشبه بكلام الاكثرين ترجيح كونه تمليكاً وتصحيح الوقف على هؤلاء ولهذا صحح صاحب الشامل الوقف على النازلين في الكنائس من مارة أهل الذمة وقال هو وقف عليهم لا على الكنيسة لكن الأحسن توسط لبعض المتأخرين وهو تصحيح الوقف على الأغنياء وإبطاله على اليهود والنصارى وقطاع الطريق وسائر الفساق لتضمنه الإعانة على المعصية‏.‏

 فصل في مسائل تتعلق بهذا الركن

إحداها يجوز الوقف على سبيل الله تعالى وهم المستحقون سهم الزكاة‏.‏

الثانية إذا وقف على سبيل البر أو الخير أو الثواب صح ويصرف إلى أقارب الواقف فإن لم يوجدوا فإلى أهل الزكاة وقال في التهذيب الموقوف على سبيل البر أو الخير أو الثواب يجوز صرفه إلى ما فيه صلاح المسلمين من أهل الزكاة وإصلاح القناطر وسد الثغور ودفن الموتى وغيرها وقال بعض أصحاب الإمام إن وقف على جهة الخير صرف في مصارف الزكاة ولا يبنى به مسجد ولا رباط وإن وقف على جهة الثواب صرف إلى أقاربه والذي قطع به الأكثرون ما قدمناه قالوا ولو جمع بين سبيل الله تعالى وسبيل الثواب وسبيل الخير صرف الثلث إلى الغزاة والثث إلى أقاربه والثلث إلى الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل وفي الرقاب وهذا يخالف ما سبق‏.‏

الثالثة يصح الوقف على أكفان الموتى ومؤنة الغسالين والحفارين وعلى شراء الأواني والظروف لمن تكسرت عليه‏.‏

الرابعة يصح الوقف على المتفقهة وهم المشتغلون بتحصيل الفقه مبتدئهم ومنتهيهم وعلى الفقهاء ويدخل فيه من حصل منه شيئاً وإن قل‏.‏

الخامسة الوقف على الصوفية حكي عن الشيخ أبي محمد أنه باطل إذ ليس للتصوف حد يعرف والصحيح المعروف صحته وهم المشتغلون بالعبادة في أغلب الأوقات المعرضون عن الدنيا وفصله الغزالي في الفتاوى فقال لا بد في الصوفي من العدالة وترك الحرفة ولا بأس بالوراقة والخياطة وشبههما إذا تعاطاها أحياناً في الرباط لا في الحانوت ولا تقدح قدرته على الكسب ولا اشتغاله بالوعظ والتدريس ولا أن يكون له من المال قدر لا تجب فيه الزكاة أو لا يفي دخله بخرجه وتقدح الثروة الظاهرة والعروض الكثيرة ولا بد أن يكون في زي القوم إلا أن يكون مساكناً فتقوم المخالطة والمساكنة مقام الزي قال ولا يشترط لبس المرفعة من شيخ وكذلك ذكر المتولي‏.‏

السادسة وقف على الأرقاء الموقوفين لسدانة الكعبة وخدمة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صح على الأصح‏.‏

السابعة لو وقف على دار أو حانوت قال الحناطي لا يصح إلا أن يقول وقفت على هذه الدار الثامنة وقف على المقبرة لتصرف الغلة في عمارة القبور قال المتولي لا يصح لأن الموتى صائرون إلى البلى فلا تليق بهم العمارة‏.‏

التاسعة وقف ضيعة على المؤن التي تقع في قرية كذا من جهة السلطان ففي فتاوى القفال أنه صحيح وصيغته أن يقول تصدقت بهذه الضيعة صدقة محرمة على أن تستغل فما فضل عن عمارتها صرف إلى هذه المؤن‏.‏

العاشرة في فتاوى القفال أنه لو قال وقفت هذه البقرة على الرباط الفلاني ليشرب من لبنها من نزله أو ينفق من نسلها عليه صح فإن اقتصر على قوله وقفتها عليه لم يصح وإن كنا نعلم أنه يريده لان الاعتبار باللفظ‏.‏

وقد بقيت مسائل من هذا الفصل تأتي منثورة في آخر الباب إن شاء الله تعالى‏.‏

الركن الرابع الصيغة فلا يصح الوقف إلا بلفظ لأنه تمليك للعين والمنفعة أو المنفعة فأشبه سائر التمليكات لأن العتق مع قوته وسرايته لا يصح إلا بلفظ فهذا أولى فلو بنى على هيئة المساجد أو على غير هيئتها وأذن في الصلاة فيه لم يصر مسجداً وكذا لو أذن في الدفن في ملكه لم يصر مقبرة سواء صلي في ذاك ودفن في ذا أم لا‏.‏

وألفاظ الوقف على مراتب‏.‏

إحداها قوله وقفت كذا أو حبست أو سبلت أو أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة فكل لفظ من هذا صريح هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور وفي وجه كل هذا كناية وفي وجه الوقف صريح والباقي كناية وفي وجه التسبيل كناية والباقي صريح‏.‏

الثانية قوله حرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها أو داري محرمة أو مؤبدة كناية على المذهب لأنها لا تستعمل إلا مؤكدة للأولى‏.‏

الثالثة تصدقت بهذه البقعة ليس بصريح فإن زاد معه شيئاً فالزيادة لفظ أو نية فأما اللفظ ففيه أوجه أصحها إن قرن به بعض الألفاظ السابقة بأن قال صدقة محرمة أو محبسة أو موقوفة أو قرن به حكم الوقف فقال صدقة لا تباع ولا توهب التحق بالصريح لانصرافه بهذا عن التمليك المحض والثاني لا يكفي قوله صدقة محرمة أو مؤبدة بل لا بد من التقييد بأنها لا تباع ولا توهب ويشبه أن لا يعتبر هذا القائل في قوله صدقة موقوفة مثل هذا التقييد‏.‏

والثالث لا يكون صريحاً بلفظ ما لأنه صريح في التمليك المحض‏.‏

وأما النية فإن أضاف إلى جهة عامة بأن قال تصدقت به على المساكين ونوى الوقف فوجهان أحدهما أن النية لا تلتحق باللفظ في الصرف عن صريح الصدقة إلى غيره وأصحهما تلتحق فيصير وقفاً وإن أضاف إلى معين فقال تصدقت عليك أو قاله لجماعة معينين لم يكن وقفاً على الصحيح بل ينفذ فيما هو صريح فيه وهو التمليك المحض كذا قاله الإمام ولك أن تقول تجريد لفظ الصدقة عن القرائن اللفظية يمكن تصويره في الجهات العامة ولا يمكن في معينين إذا لم نجوز الوقف المنقطع فإنه يحتاج إلى بيان المصارف بعد المعينين وحينئذ فالمأتي به لا يحتمله غير الوقف كما أن قوله تصدقت به صدقة محرمة أو موقوفة لا يحتمل غير الوقف‏.‏

فرع لو قال جعلت هذا المكان مسجداً صار مسجداً على الأصح لإشعاره بالمقصود واشتهاره فيه وقطع الأستاذ أبو طاهر والمتولي والبغوي بأنه لا يصير مسجداً لأنه لم يوجد شيء من ألفاظ الوقف قال الأستاذ فإن قال جعلته مسجداً لله تعالى صار مسجداً وحكى الإمام خلافاً للأصحاب في استعمال لفظ الوقف فيما يضاهي التجريد كقوله وقفت هذه البقعة على صلاة المصلين وهو يريد جعلها مسجداً والأصح صحته‏.‏

 فصل إذا كان الوقف على جهة

كالفقراء وعلى المسجد والرباط لم يشترط القبول ولو قال جعلت هذا للمسجد فهو تمليك لا وقف فيشترط قبول القيم وقبضه كما لو وهب شيئاً لصبي وإن كان الوقف على شخص أو فعلى هذا فليكن متصلا بالإيجاب كما في البيع والهبة والثاني لا يشترط كالعتق وبه قطع البغوي والروياني قال الروياني لا يحتاج لزوم الوقف إلى القبول لكن لا يملك عليه إلا بالاختيار ويكفي الأخذ دليلا على الاختيار وخص المتولي الوجهين بقولنا ينتقل الملك في الموقوف إلى الموقوف عليه وإلا فلا يشترط قطعاً‏.‏

قلت صحح الرافعي في المحرر الاشتراط والله أعلم‏.‏

وسواء شرطنا القبول أم لا لو رده بطل حقه كالوصية والوكالة وشذ البغوي فقال لا يبطل بالرد كالعتق فعلى الصحيح لو رد ثم رجع قال الروياني إن رجع قبل حكم الحاكم برده إلى غيره كان له وإن حكم به لغيره بطل حقه هذا في البطن الأول أما البطن الثاني والثالث فنقل الإمام والغزالي أنه لا يشترط قبوله قطعاً لأن استحقاقهم لا يتصل بالإيجاب ونقلا في ارتداده بردهم وجهين لأن الوقف قد ثبت ولزم فيبعد انقطاعه وأجرى المتولي الخلاف في اشتراط قبولهم وارتداده بردهم بناء على أنهم يتلقون الحق من الواقف أم من البطن الأول إن قلنا بالأول فقبولهم وردهم كقبول الأولين وردهم وإلا فلا يعتبر قبولهم وردهم كالميراث وهذا أحسن ولا يبعد أن لا يتصل الاستحقاق بالإيجاب مع اشتراط القبول كما في الوصية‏.‏

الطرف الثاني في شروط الوقف وهي أربعة‏.‏

الأول التأبيد بأن يقف على من لا ينقرض كالفقراء والمساكين أو على من ينقرض ثم على من لا ينقرض كقوله وقفت على ولدي ثم على الفقراء أو على زيد ثم عقبه ثم الفقراء والمساجد والربط والقناطر كالفقراء والمساكين فإن عين مساجد أو قناطر فوجهان وفي معنى الفقراء العلماء على الصحيح وفي فتاوى القفال خلافه لأنهم قد ينقطعون‏.‏

 فصل لو قال وقفت هذا سنة

فالصحيح الذي قطع به الجمهور أن الوقف باطل وقيل يصح وينتهي بانتهاء المدة وقيل الوقف الذي لا يشترط فيه القبول لا يفسد بالتوقيت كالعتق وبه قال الإمام ومن تابعه وفي مطلق الوقف قول آخر سنحكيه في الهبة إن شاء الله تعالى‏.‏

 فصل إذا وقف وقفاً منقطع الآخر

بأن قال وقفت على أولادي أو قال وقفت على زيد ثم على عقبه ولم يزد ففي صحته ثلاثة أقوال أظهرها عند الأكثرين الصحة منهم القضاة أبو حامد والطبري والروياني وهو نصه في المختصر والثاني البطلان وصححه المسعودي والإمام والثالث إن كان الموقوف عقاراً فباطل وإن كان حيواناً صح لأن مصيره إلى الهلاك وربما هلك قبل الوقوف عليه فإن صححنا فإذا انقرض المذكور فقولان أحدهما يرتفع الوقف ويعود ملكاً للواقف أو إلى ورثته إن كان مات وأظهرهما يبقى وقفاً‏.‏

وفي مصرفه أوجه أصحها وهو نصه في المختصر يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف يوم انقراض المذكور‏.‏

والثاني إلى المساكين‏.‏

والثالث إلى المصالح العامة مصارف خمس الخمس‏.‏

والرابع إلى مستحقي الزكاة‏.‏

فإن قلنا إلى أقرب الناس إلى الواقف فيعتبر قرب الرحم أم استحقاق الإرث وجهان أصحهما الأول فيقدم ابن البنت على ابن العم لأن المعتبر صلة الرحم وإذا اجتمع جماعة فالقول في الأقرب كما سيأتي في الوصية للأقرب وهل يختص بفقراء الأقارب أم يشاركهم أغنياؤهم قولان أظهرهما الاختصاص وهل هو على سبيل الوجوب أم الاستحباب وجهان وإن قلنا يصرف إلى المساكين ففي تقديم جيران الواقف وجهان أصحهما المنع لأنا لو قدمنا بالجوار لقدمنا بالقرابة بطريق الأولى‏.‏

قال وقفت هذا على زيد شهراً على أن يعود إلى ملكي بعد الشهر فباطل على المشهور وفي قول يصح فعلى هذا هل يعود ملكاً بعد الشهر أم يكون كالمنقطع حتى يصرف بعد الشهر إلى أقرب الناس إلى الواقف قولان حكاهما البغوي‏.‏

الشرط الثاني التنجيز فلو قال وقفت على من سيولد لي أو على مسجد سيبنى ثم على الفقراء أو قال على ولدي ثم على الفقراء ولا ولد له فهذا وقف منقطع الأول وفيه طريقان أحدهما القطع بالبطلان والثاني على القولين في منقطع الآخر والمذهب هنا البطلان وهو نصه في المختصر فإن صححنا نظر إن لم يمكن انتظار من ذكره كقوله وقفت على ولدي ولا ولد له أو على مجهول أو ميت ثم على الفقراء فهو في الحال مصروف إلى الفقراء وذكر الأول لغو وإن أمكن إما بانقراضه كالوقف على عبد ثم على الفقراء وإما بحصوله كولد سيولد له فوجهان أحدهما تصرف الغلة إلى الواقف حتى ينقرض الأول وعلى هذا ففي ثبوت الوقف في الحال وجهان والثاني وهو الأصح تنقطع الغلة عن الواقف وعلى هذا أوجه أصحها تصرف في الحال إلى أقرب الناس إلى الواقف فإذا انقرض المذكور أولا صرف إلى المذكور بعده وعلى هذا فالقول في اشتراط الفقر وسائر التفاريع على ما سبق والثاني يصرف إلى المذكورين بعده في الحال والثالث أنه للمصالح العامة‏.‏

ثم على الفقراء وقلنا الوقف الوارث باطل أو صحيح فرده باقي الورثة فهو منقطع الأول وكذا لو وقف على معين يصح الوقف عليه ثم على الفقراء فرده المعين وقلنا بالصحيح إنه يرتد بالرد فمنقطع الأول‏.‏

فرع إذا علق الوقف فقال إذا جاء رأس الشهر أو قدم فلان فقد وقفته لم يصح على المذهب وقيل على الخلاف في منقطع الأول وأولى بالفساد‏.‏

فرع وراء منقطع الأول فقط أو الآخر فقط صور‏.‏

إحداها أن يكون متصل الأول والآخر والوسط فصحيح‏.‏

الثانية أن يكون منقطعها جميعاً فباطل قطعاً‏.‏

الثالثة متصل الطرفين منقطع الوسط بأن وقف على أولاده ثم رجل مجهول ثم الفقراء فإن صححنا منقطع الآخر فهذا أولى وإلا فوجهان أصحهما الصحة ويصرف عند توسط الانقطاع إلى أقرب الناس إلى الواقف أو إلى المساكين أو المصالح أو الجهة العامة المذكورة آخراً فيه الخلاف السابق‏.‏

الرابعة أن ينقطع الطرفان دون الوسط وقف بأن على رجل مجهول ثم على أولاده فقط فإن أبطلنا منقطع الأول فهذا أولى وإلا فالأصح بطلانه أيضاً فإن صححنا ففيمن يصرف إليه الخلاف السابق‏.‏

الشرط الثالث الإلزام فلو وقف بشرط الخيار أو قال وقفت بشرط أني أبيعه أو أرجع فيه متى شئت فباطل واحتجوا له بأنه إزالة ملك إلى الله سبحانه وتعالى كالعتق أو إلى الموقوف عليه كالبيع والهبة وعلى التقديرين فهذا شرط مفسد لكن في فتاوى القفال أن العتق لا يفسد بهذا الشرط وفرق بينهما بأن العتق مبني على الغلبة والسراية وعن ابن سريج أنه يحتمل أن يبطل الشرط ويصح الوقف ولو وقف على ولده أو غيره بشرط أن يرجع إليه إذا مات فهو باطل على المذهب وعن البويطي أنه على قولين أخذاً من مسألة العمرى ولو وقف وشرط لنفسه أن يحرم من شاء أو يقدم أو يؤخر فالشرط فاسد على الأصح هذا إذا أنشأ الوقف بهذا الشرط فلو أطلقه ثم أراد أن يغير ما ذكره بحرمان أو زيادة أو تقديم أو تأخير فليس له قطعاً فإن صححنا شرطه لنفسه فشرطه لغيره ففاسد على الأصح وإن أفسدناه ففي فساد الوقف خلاف مبني على أن الوقف كالعتق أم لا‏.‏

هذا مجموع ما حضرني من كتب الأصحاب والذي قطع به جمهورهم بطلان الشرط والوقف في الأولى وقفت بشرط أن أرجع متى شئت أو أحرم المستحق وأحول الحق إلى غيره متى شئت ففاسد‏.‏

الثانية بشرط أن أغير قدر المستحق للمصلحة فهو جائز‏.‏

الثالثة يقول أغير تفصيله فوجهان وهذا الترتيب لا يكاد يوجد لغيره ثم فيه لبس فإن التحويل المذكور في الأولى هو التغير المذكور في الثانية والمذهب ما ذكره الجمهور‏.‏

 فصل لو شرط الواقف

أن لا يؤجر الوقف فأوجه أصحها يتبع شرطه كسائر الشروط والثاني لا لتضمنه الحجر على مستحقي المنفعة والثالث إن منع الزيادة على سنة اتبع لأنه من مصالحه وإن منع مطلقاً فلا فإن أفسدنا الشرط فالقياس فساد الوقف به وقال الشيخ أبو عاصم إذا شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة لم يخالف وقيل إن كان الصلاح في الزيادة زيد وهذا تصحيح للوقف مع فساد الشرط‏.‏

قلت ليس هذا فساداً للشرط مطلقاً بخلاف مسألتنا والله أعلم‏.‏

 فصل إذا جعل داره مسجداً

أو أرضه مقبرة أو بنى مدرسة أو رباطاً فلكل أحد أن يصلي ويعتكف في المسجد ويدفن في ولو شرط في الوقف اختصاص المسجد بأصحاب الحديث أو الرأي أو طائفة معلومين فوجهان أحدهما لا يتبع شرطه فعلى هذا قال المتولي يفسد الوقف لفساد الشرط والثاني يتبع ويختص بهم رعاية للشرط وقطعاً للنزاع في إقامة الشعائر ويشبه أن تكون الفتوى بهذا وإن كان الغزالي اقتصر على الأول في الوجيز‏.‏

قلت الأصح إتباع شرطه وصححه الرافعي في المحرر والمراد بأصحاب الحديث الفقهاء الشافعية وبأصحاب الرأي الفقهاء الحنفية هذا عرف أهل خراسان والله أعلم‏.‏

ثم الوجهان فيما إذا قال على أصحاب الحديث فإذا انقرضوا فعلى عامة المسلمين أما إذا لم يتعرض للانقراض ففيه خلاف‏.‏

قلت يعني اختلفوا في صحة الوقف لاحتمال انقراض هذه الطائفة والأصح أو الصحيح الصحة والله أعلم‏.‏

ولو شرط في المدرسة والرباط الاختصاص اختص قطعاً ولو شرط في المقبرة الاختصاص بالغرباء أو بجماعة معينين فالوجه أن يرتب على المسجد فإن قلنا يختص فالمقبرة أولى وإلا فوجهان لترددها بين المسجد والمدرسة وإلحاقها بالمدرسة أصح فان المقابر للأموات كالمساكن للأحياء وهذا كله إذا شرط في حال الوقف أما إذا وقف مطلقاً ثم خصص المدرسة أو الشرط الرابع بيان المصرف فلو قال وقفت هذا واقتصر عليه فقولان وقيل وجهان أظهرهما عند الأكثرين بطلان الوقف كقوله بعت داري بعشرة أو وهبتها ولم يقل لمن ولأنه لو قال وقفت على جماعة لم يصح لجهالة المصرف فإذا لم يذكر المصرف فأولى أن لا يصح والثاني يصح وإليه ميل الشيخ أبي حامد واختاره صاحب المهذب والروياني كما لو نذر هدياً أو صدقة ولم يبين المصرف وكما لو قال أوصيت بثلثي فإنه يصح ويصرف إلى المساكين وهذا إن كان متفقاً عليه فالفرق مشكل‏.‏

قلت الفرق أن غالب الوصايا للمساكين فحمل المطلق عليه بخلاف الوقف ولأن الوصية مبنية على المساهلة فتصبح بالمجهول والنجس وغير ذلك بخلاف الوقف والله أعلم‏.‏

فإن صححنا ففي مصرفه الخلاف في منقطع الآخر إذا صححناه وعن ابن سريج يصرفه الناظر فيما يراه من البر كعمارة المساجد والقناطر وسد الثغور وتجهيز الموتى وغيرها‏.‏

 فصل في مسائل تتعلق بالباب الأولى

وقف على رجلين ثم على المساكين فمات أحدهما ففي نصيبه وجهان أصحهما وهو نصه في حرملة يصرف إلى صاحبه والثاني إلى المساكين والقياس أن لا يصرف إلى صاحبه ولا إلى قلت معناه يكون صرفه مصرف منقطع الوسط لأنه يجيء خلاف في صحة الوقف والله أعلم‏.‏

الثانية وقف على شخصين ولم يذكر من يصرف إليه بعدهما وصححنا الوقف فمات أحدهما فنصيبه للآخر أم حكمه حكم نصيبها إذا ماتا فيه وجهان‏.‏

الثالثة وقف على بطون فرد البطن الثاني وقلنا يرتد بردهم فهذا وقف منقطع الوسط وسبق بيانه وفيه قول أو وجه أنه يصرف إلى البطن الثالث‏.‏

الرابعة يصح الوقف على أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جوزنا الوقف على قوم غير محصورين ولا يكون كصرف الزكاة إليهم‏.‏

الخامسة قال وقفت داري على المساكين بعد موتي قال الشيخ أبو محمد أفتى الأستاذ أبو إسحاق بصحة الوقف بعد الموت ووافقه أئمة عصره وهذا كأنه وصية يدل عليه أن في فتاوى القفال أنه لو عرض الدار على البيع صار راجعاً فيه‏.‏

السادسة قال جعلت داري هذه خانقاه للغزاة لم تصر وقفاً بذلك ولو قال تصدقت بها صدقة محرمة ليصرف من غلتها كل شهر إلى فلان كذا ولم يزد عليه ففي صحة هذا الوقف وجهان فإن صح ففي الفاضل عن المقدار أوجه أحدها الصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف والثاني إلى المساكين والثالث يكون ملكاً للواقف‏.‏

السابعة قال جعلت داري هذه للمسجد أو سلم داراً إلى قيم المسجد وقال خذها للمسجد أو قال إذا مت فأعطوا من مالي ألف درهم للمسجد أو فداري للمسجد لا يكون شيئاً لأنه لم توجد صيغة وقف ولا تمليك ولك أن تقول إن لم يكن صريحاً في التمليك فلا شك أنه كناية‏.‏

الثامنة قال وقفت داري على زيد وعلى الفقراء بني على ما إذا أوصى لزيد وللفقراء فإن جعلناه كأحدهم صح الوقف ولا يحرم زيد وإن قلنا له النصف صح الوقف في نصيب الفقراء وأما النصف الثاني فمنقطع الآخر فان لم يصح جاء تفريق الصفقة وهذه المسألة مع المسألتين قبلها منقولة في فتاوى القفال‏.‏

التاسعة في فتاوى القفال أنه لو قال وقفتها على المسجد الفلاني لم يصح حتى يبين جهته فيقول وقفت على عمارته أو وقفت عليه ليستغل فيصرف إلى عمارته أو إلى دهن السراج ونحوهما ومقتضى إطلاق الجمهور صحته‏.‏

قلت وقد صرح البغوي وغيره بصحته والله أعلم‏.‏

العاشرة في فتاوى القفال أنه لو وقف على رباط أو مسجد معين ولم يذكر المصرف إن خرب فهو منقطع الآخر وفصل صاحب التتمة فقال إن كان في موضع يستبعد في العادة خرابه بأن كان في وسط البلدة فهو صحيح وإن كان في قرية أو حارة فهو منقطع الآخر‏.‏

 الباب الثاني في أحكام الوقف الصحيح

إذا صح الوقف ترتب عليه أحكام‏.‏

منها ما ينشأ من اللفظ المستعمل في الوقف ويختلف باختلاف الألفاظ‏.‏

ومنها ما يقتضيه المعنى فلا يختلف باختلاف اللفظ ويجمع الباب طرفان‏.‏

الطرف الأول في الأحكام اللفظية والأصل فيه أن شروط الواقف مرعية ما لم يكن فيها ما ينافي الوقف وفيه مسائل‏.‏

المسألة الأولى قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي فلا ترتيب بل يسوى بين الجميع ولو زاد فقال ما تناسلوا أو بطنا بعد بطن فكذلك ويحمل على التعميم على الصحيح وقال الزيادي قوله بطناً بعد بطن يقتضي الترتيب ولو قال على أولادي ثم على أولاد أولادي ثم على أولاد أولاد أولادي ما تناسلوا أو بطناً بعد بطن فهو للترتيب ولا يصرف إلى البطن الثاني شيء ما بقي من الأول واحد ولا إلى الثالث ما بقي من الثاني أحد كذا أطلقه الجمهور والقياس فيما إذا مات واحد من البطن الأول أن يجيء في نصيبه الخلاف السابق فيما لو وقف على شخصين أو جماعة ثم على المساكين فمات واحد فإلى من يصرف نصيبه ولم أر تعرضاً إليه إلا لأبي الفرج السرخسي فإنه سوى بين الصورتين وحكى فيهما وجهين أحدهما أن نصيب الميت لصاحبه والثاني أنه لأقرب الناس إلى الواقف وكذا ذكر صاحب الإيضاح أن يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف‏.‏

قلت الصحيح ما أطلقه الجمهور لأن من بقي بعد موت بعض الأولاد يسمون أولاداً بخلاف ما إذا مات أحد الشخصين ثم إن مراعاة الترتيب لا تنتهي عند البطن الثالث والرابع بل يعتبر الترتيب في جميع البطون فلا يصرف إلى بطن وهناك أحد من بطن أقرب صرح به البغوي وغيره والله أعلم‏.‏

ولو قال على أولادي وأولاد أولادي الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب أو الأول فالأول أو يبدأ بالأعلى منهم أو على أن لا حق لبطن وهناك أحد فوقهم فمقتضاه الترتيب أيضاً ولو قال فمن مات من أولادي فنصيبه لولده اتبع شرطه‏.‏

فرع قال على أولادي ثم على أولاد أولادي وأولاد أولاد أولادي فمقتضاه الترتيب بين البطن الأول ومن دونهم والجمع بين من دونهم ولو قال على أولادي وأولاد أولادي ثم على أولاد أولاد أولادي فرع قال على أولادي وأولاد أولادي ومن مات منهم فنصيبه لأولاده فمات واحد فنصيبه لأولاده خاصة ويشاركون الباقين فيما عدا نصيب أبيهم‏.‏

المسألة الثانية إذا وقف على الأولاد ففي دخول أولاد الأولاد ثلاثة أوجه أصحها لا يدخلون والثاني يدخلون والثالث يدخل أولاد البنين دون أولاد البنات وهذا الخلاف عند الإطلاق وقد يقرن باللفظ ما يقتضي الجزم بخروجهم كقوله وقفت على أولادي فإذا انقرضوا فلأحفادي الثلث والباقي للفقراء ولو وقف على الأولاد ولم يكن له إلا أولاد الأولاد حمل اللفظ عليهم قاله المتولي وغيره ولو وقف على أولاده وأولاد أولاده ففي دخول أولاد أولاد أولاده الخلاف‏.‏

الثالثة الوقف على الأولاد يدخل فيه البنون والبنات والخنثى المشكل‏.‏

الرابعة الوقف على البنين لا يدخل فيه الخنثى وفي دخول بني البنين والبنات الأوجه الثلاثة‏.‏

الخامسة الوقف على البنات لا يدخل فيه الخنثى وفي بنات الأولاد الأوجه‏.‏

السادسة وقف على البنين والبنات دخل الخنثى على الأصح وقيل لا لأنه لا يعد من هؤلاء ولا من هؤلاء‏.‏

السابعة وقف على بني تميم وصححنا مثل هذا الوقف ففي دخول نسائهم وجهان أحدهما المنع كالوقف على بني زيد وأصحهما الدخول لأنه يعبر به عن القبيلة‏.‏

الثامنة وقف على أولاده وأولاد أولاده دخل فيه أولاد البنين والبنات فإن قال على من ينتسب إلي من أولاد أولادي لم يدخل أولاد البنات على الصحيح‏.‏

فرع المستحقون في هذه الألفاظ لو كان أحدهم حملا عند الوقف هل يدخل حتى يوقف له شيء فيه وجهان حكاهما المتولي أحدهما نعم كالميراث ويستحق الغلة في مدة الحمل والصحيح لا لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولداً وأما غلة ما بعد الانفصال فيستحقها قطعاً وكذا الأولاد الحادث علوقهم بعد الوقف يستحقون إذا انفصلوا هذا هو الصحيح المقطوع به في الكتب وفي أمالي السرخسي خلافه‏.‏

قلت ومما يتفرع على الصحيح أنه لا يستحق غلة مدة الحمل أنه لو كان الموقوف نخلة فخرجت ثمرتها قبل خروج الحمل لا يكون له من تلك الثمرة شيء كذا قطع به الفوراني والبغوي وأطلقاه وقال الدرامي في الاستذكار في الثمرة التي أطلعت ولم تؤبر قولان هل لها حكم المؤبرة فتكون للبطن الأول أو لا فتكون للثاني وهذان القولان يجريان هنا والله أعلم‏.‏

M0ر المنفي باللعان لا لانقطاع نسبه وخروجه عن كونه ولداً وعن أبي إسحاق أنه يستحق وأثر اللعان مقصور على الملاعن‏.‏

قلت فلو استلحقه بعد نفيه دخل في الوقف قطعاً ذكره البغوي والله أعلم‏.‏

التاسعة قال وقفت على ذريتي أو عقبي أو نسلي دخل فيه أولاد البنين والبنات قريبهم وبعيدهم ولو حدث حمل قال المتولي يوقف نصيبه قطعاً لأنه من نسله وعقبه قطعاً ولو وقف على عترته قال ابن الأعرابي وثعلب هم ذريته وقال القتيبي هم عشيرته وهما وجهان للأصحاب أصحهما الثاني وقد روي ذلك عن زيد بن أرقم‏.‏

قلت هذان المذهبان مشهوران لأهل اللغة غير مختصين بالمذكورين لكن أكثر من جعلهم عشيرته خصهم بالأقربين قال الأزهري قال بعض أهل اللغة عترته عشيرته الأدنون وقال الجوهري عترته نسله ورهطه الأدنون وقال الزبيري عترته أقرباؤه من ولد وغيره ومقتضى هذه الاقوال أنه يدخل ذريته عشيرته الأدنون وهذا هو الظاهر المختار والله أعلم‏.‏

العاشرة قال على عشيرتي فهو كقوله على قرابتي وإذا قال على قرابتي أو أقرب الناس إلي فعلى ما سنذكره في الوصية إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال المتولي قوله على قبيلتي أو عشيرتي لا يدخل فيه إلا قرابة الأب ثم إذا كانوا غير محصورين ففيهم الخلاف السابق ثم من حدث بعد الوقف يشاركون الموجودين عند الوقف على الصحيح وعن البويطي منعه‏.‏

الحادية عشرة اسم المولى يقع على المعتق ويقال له المولى الأعلى وعلى العتيق ويقال له المولى الأسفل فإذا وقف على مواليه وليس له إلا أحدهما فالوقف عليه وإن وجدا جميعاً فهل يقسم بينهما أم يختص به الأعلى أم الأسفل أم يبطل الوقف فيه أربعة أوجه أصحها في التنبيه الأول وفي الوجيز الرابع‏.‏

قلت الأصح الأول وقد صححه أيضاً الجرجاني في التحرير وحكى الدارمي وجهاً خامساً أنه موقوف حتى يصطلحوا وليس بشيء والله أعلم‏.‏

 فصل يرعى شرط الواقف في الأقدار

وصفات المستحقين وزمن الاستحقاق فإذا وقف على أولاده وشرط التسوية بين الذكر والأنثى أو تفضيل أحدهما اتبع شرطه وكذا الوقف على العلماء بشرط كونهم على مذهب فلان أو على الفقراء بشرط الغربة أو الشيخوخة اتبع ولو قال على بني الفقراء أو على بناتي الأرامل فمن استغنى منهم وتزوج منهن خرج عن الاستحقاق قلت ولم أر لأصحابنا تعرضاً لاستحقاقها في حال العدة وينبغي أن يقال إن كان الطلاق بائناً أو فارقت بفسخ أو وفاة استحقت لأنها ليست بزوجة في زمن العدة وإن كان رجعياً فلا لأنها زوجة والله أعلم‏.‏

قال العبادي في الزيادات لو وقف على أمهات أولاده إلا على من تزوج منهن فتزوجت خرجت ولا تعود بالطلاق والفرق من حيث اللفظ أنه أثبت الاستحقاق لبناته الأرامل وبالطلاق صارت أرملة وهنا جعلها مستحقة إلا أن تتزوج وبالطلاق لا تخرج عن كونها تزوجت ومن حيث المعنى أن غرضه أن تفي له أم ولده فلا يخلفه عليها أحد فمن تزوجت لم تف ولو طلقت‏.‏

فرع شرط صرف غلة السنة الأولى إلى قوم لو شرط صرف غلة السنة الأولى إلى قوم وغلة السنة الثانية إلى آخرين وهكذا ما بقوا اتبع شرطه‏.‏

فرع قال وقفت على أولادي فإذا انقرض أولادي وأولاد أولادي فعلى الفقراء فهذا وقف منقطع الوسط على الصحيح وحكمه ما سبق لأنه لم يجعل لأولاد الأولاد شيئاً وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق الفقراء وقيل يستحقون بعد انقراض أولاد الصلب‏.‏

وقف على بنيه الأربعة على أن من مات منهم وله عقب فنصيبه لعقبه ومن مات ولا عقب له فنصيبه لسائر أصحاب الوقف ثم مات أحدهم عن ابن وآخر عن ابنين وثالث ولا عقب له فنصيب الثالث بين الرابع وابن الأول الأول وابني الثاني بالسوية ولو قال وقفت على بني الخمسة ومن سيولد لي على ما افصله ثم فصل فقال ضيعة كذا لابني فلان وحصة كذا لفلان إلى أن ذكر الخمسة ثم قال وأما من سيولد لي فنصيبه أن من مات من الخمسة ولا عقب له يصرف حقه إليه فمات واحد من الخمسة ولا عقب له وولد للواقف ولد يصرف إلى المولود نصيب الميت وليس له شيء آخر بقوله أولاً وقفت على بني ومن سيولد لي لأن التفصيل المذكور آخراً بيان لما أجمله أولاً وقد جرت عادة الشروطيين بمثله‏.‏

فرع قال وقفت على سكان موضع كذا فغاب بعضهم سنة ولم يبع داره ولا استبدل داراً لا يبطل حقه ذكره العبادي‏.‏

فرع وقف على زيد بشرط أن يسكن موضع كذا ثم بعده على الفقراء والمساكين فهذا وقف منقطع لأن الفقراء إنما يستحقون بعد انقراضه واستحقاقه مشروط بشرط قد يتخلف‏.‏

الصفة والاستثناء عقيب الجمل المعطوف بعضها على بعض يرجعان إلى الجميع‏.‏

مثال الصفة وقفت على أولادي وأحفادي وأخوتي المحتاجين منهم‏.‏

ومثال الاستثناء وقفت على أولادي وأحفادي وأخوتي إلا أن يفسق واحد منهم هكذا أطلقه الأصحاب ورأى الإمام تقييده بقيدين أحدهما أن يكون العطف بالواو فإن كان ب ثم اختصت الصفة والاستثناء بالجملة الأخيرة والثاني أن لا يتخلل بين الجملتين كلام طويل فإن تخلل كقوله على أن من مات منهم وله عقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يعقب فنصيبه للذين في درجته فإذا انقرضوا فهو مصروف إلى أخوتي إلا أن يفسق أحدهم فالاستثناء يختص بالاخوة والصفة المتقدمة على جميع الجمل كقوله وقفت على فقراء أولادي وأولاد أولادي وأخوتي كالمتأخرة عن جميعها حتى يعتبر الفقر في الكل‏.‏

فرع البطن الثاني هل يتلقون الوقف من الواقف أم من البطن الأول فيه وجهان أصحهما من الواقف‏.‏

الطرف الثاني في الأحكام المعنوية فمنها اللزوم في الحال سواء أضافه إلى ما بعد الموت أم لم يضفه وسواء سلمه أم لم يسلمه قضى به قاض أم لا‏.‏

قلت وسواء في هذا كان الوقف على جهة أو شخص وسواء قلنا الملك في رقبة الوقف لله تعالى أم للموقوف عليه أم باق للواقف ولا خلاف في هذا بين أصحابنا إلا ما شذ به الجرجاني في التحرير فقال إذا كان على شخص وقلنا الملك للموقوف عليه افتقر إلى قبضه كالهبة وهذا غلط ظاهر وشذوذ مردود نبهت عليه لئلا يغتر به والله أعلم‏.‏

وإذا لزم امتنعت التصرفات القادحة في غرض الوقف وفي شرطه وسواء في امتناعها الواقف وغيره وأما رقبة الوقف فالمذهب وهو نصه في المختصر هنا أن الملك فيها انتقل إلى الله تعالى وفي قول إلى الموقوف عليه وخرج قول أنه باق على ملك الواقف وقيل بالأول قطعاً وقيل بالثاني قطعاً وقيل إن كان الوقف على معين ملكه قطعاً وإن كان على جهة انتقل إلى الله تعالى قطعاً واختاره الغزالي ولا فرق عند جمهور الأصحاب هذا كله إذا وقف على شخص أو جهة عامة فأما إذا جعل البقعة مسجداً أو مقبرة فهو فك عن الملك كتحرير الرقيق فينقطع عنها اختصاصات الآدميين قطعاً‏.‏

 فصل فوائد الوقف ومنافعه

فوائد الوقف ومنافعه للموقوف عليه يتصرف فيها تصرف الملاك في الأملاك فإن كان شجرة ملك الموقوف عليه ثمارها ولا يملك أغصانها إلا فيما يعتاد قطعه كشجر الخلاف فأغصانها كثمر غيرها وإن كان الموقوف بهيمة ملك صوفها ووبرها ولبنها قطعاً ويملك نتاجها أيضاً على الأصح كالثمرة‏.‏

والثاني تكون وقفاً تبعاً لامه كولد الأضحية وقيل الوجهان في ولد الفرس والحمار فأما ولد النعم فيملكه قطعاً لان المطلوب منها الدر والنسل وقيل لا حق فيه للموقوف عليه بل يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف إلا أن يصرح بخلافه وهذا الخلاف في نتاج حدث بعد الوقف فإن وقف البهيمة وهي حامل فان قلنا الحادث وقف فهذا أولى وإلا فوجهان بناء على أن الحمل هل له حكم أم لا وهذا المذكور في الدر والنسل هو فيما إذا أطلق أو شرطهما للموقوف عليه فلو وقف دابة على ركوب إنسان ولم يشرط له الدر والنسل قيل حكمهما حكم وقف منقطع الآخر وقال البغوي ينبغي أن يكون للواقف وهذا أوجه لأن الدر والنسل لا مصرف لهما أولاً ولا آخراً‏.‏

فرع قالوا لو وقف ثور للانزاء جاز ولا يجوز استعماله في الحراثة‏.‏

فرع ذبح البهيمة المأكولة لا يجوز ذبح البهيمة المأكولة الموقوفة وإن خرجت عن الانتفاع كما لا يجوز إعتاق العبد الموقوف لكن لو صارت بحيث يقطع بموتها قال المتولي تذبح للضرورة وفي لحمها طريقان أحدهما يشترى بثمنه بهيمة من جنسها وتوقف والثاني إن قلنا الملك فيها ينتقل إلى الله تعالى فعل فيه الحاكم ما رآه مصلحة وإن قلنا للموقوف عليه أو للواقف صرف أليهما‏.‏

فرع إذا ماتت البهيمة الموقوفة فالموقوف عليه أحق بجلدها وإذا دبغه ففي عوده وقفاً وجهان قال المتولي أصحهما العود‏.‏

 فصل المنافع المستحقة للموقوف عليه

يجوز أن يستوفيها بنفسه ويجوز أن يقيم غيره مقامه بإعارة أو إجارة والأجر ملك له هذا إن كان الوقف مطلقاً فإن قال وقفت داري ليسكنها من يعلم الصبيان في هذه القرية فللمعلم أن يسكنها وليس له أن يسكنها غيره بأجرة ولا بغيرها ولو قال وقفت داري على أن تستغل وتصرف غلتها إلى فلان تعين الاستغلال ولم يجز له أن يسكنها كذا ذكرت الصورتان في فتاوى القفال وغيره ولو كان الوقف مطلقاً فقال الموقوف عليه فرع متى وجب المهر فوطئ الموقوفة فهو للموقوف عليه كاللبن والثمرة‏.‏

فرع وطء الموقوفة لا يجوز وطء الموقوفة لا للواقف ولا للموقوف عليه وإن قلنا الملك فيها لهما لأنه ملك ضعيف ولو وطئت فلها أحوال‏.‏

أحدها أن يطأها أجنبي فإن لم يكن هناك شبهة لزمه الحد والولد رقيق ثم هل هو ملك طلق أم وقف وجهان كنتاج البهيمة ويجب المهر إن كانت مكرهه وإن كانت مطاوعة عالمه بالحال فقيه خلاف سبق في الغصب وإن كان هناك شبهة فلا حد ويجب المهر والولد حر وعليه قيمته ويكون ملكاً للموقوف عليه إن جعلنا الولد ملكاً وإلا فيشتري بها عبد ويوقف‏.‏

الحال الثاني أن يطأها الموقوف عليه فإن لم يكن شبهه فقيل لا حد لشبهة الملك وبه قطع ابن الصباغ والأصح أنه يبنى على أقوال الملك فإن جعلناه له فلا حد إلا فعليه الحد ولا أثر لملك المنفعة كما لو وطئ الموصى له بالمنفعة الجارية وهل الولد ملك أو وقف فيه الوجهان وإن وطئ بشبهة فلا حد والولد حر ولا قيمة عليه إن ملكناه ولد الموقوفة وإن جعلناه وقفاً اشترى بها عبد آخر ويوقف وتصير الجارية أم ولد له إن قلنا الملك للموقوف عليه فتعتق بموته وتؤدى قيمتها من تركته ثم هل هي لمن ينتقل الوقف إليه بعده ملك أم يشتري بها جارية وتوقف فيه خلاف نذكره في قيمة العبد الموقوف إذا قتل ولا مهر على الموقوف عليه بحال لأنه لو وجب لوجب له‏.‏

الحال الثالث أن يطأها الواقف فإن لم يكن الوطء بشبهة تفرع على الخلاف في الملك فإن لم نجعل الملك له فعليه الحد والولد رقيق وفي كونه ملكاً أو وقفاً الوجهان ولا تكون الجارية أم ولد له وإن جعلنا الملك له فلا حد وفي نفوذ الاستيلاد إن أولدها الخلاف في استيلاد الراهن لتعلق حق الموقوف عليه بها وهذا أولى بالمنع وإن وطء بشبهة فلا حد والولد حر نسيب وعليه قيمته وفيما يفعل بها الوجهان وتصير أم ولد له إن ملكناه تعتق بموته وتؤخذ قيمتها من تركته وفيما يفعل بها الخلاف‏.‏

فرع تزويج الموقوفة في تزويج الموقوفة وجهان أحدهما المنع لما فيه من النقص وربما ماتت من الطلق فيفوت حق البطن الثاني وأصحهما الجواز تحصيناً لها وقياساً على الإجارة فعلى هذا إن قلنا الملك للموقوف عليه فهو الذي تزوجها ولا يحتاج إلى إذن أحد وإن قلنا لله سبحانه وتعالى زوجها السلطان ويستأذن الموقوف عليه وكذا إن قلنا وكذا إن قلنا الملك للواقف زوجها بإذن الموقوف عليه هذا كلام الجمهور وحكى الغزالي وجهين في أن السلطان هل يستأذن الموقوف عليه وفي أنه هل يستأذن الواقف أيضاً ويلزم مثله في استئذان الواقف إذا زوج الموقوف عليه والمهر للموقوف عليه بكل حال وولدها من الزوج للموقوف عليه ملكاً أو وقفاً على الخلاف السابق‏.‏

قلت ولو طلبت الموقوفة التزويج فلهم الامتناع والله أعلم‏.‏

فرع ليس للموقوف عليه أن يتزوج الموقوفة إن قلنا إنها ملكه وإلا فوجهان أصحهما المنع احتياطاً وعلى هذا لو وقفت عليه زوجته انفسخ النكاح‏.‏

 فصل حق تولية أمر الوقف

حق تولية أمر الوقف في الأصل للواقف فإن شرطها لنفسه أو لغيره اتبع شرطه وأشار في النهاية إلى خلاف فيما إذا كان الوقف على معين وشرط التولية بجنبي هل يتبع شرطه إذا فرعنا على أن الملك في الوقف للموقوف عليه والمذهب الأول وبه قطع الجمهور وسواء فرض في الحياة أو أوصى فكل منهما معمول به وإن وقف ولم يشرط التولية لأحد فثلاثة طرق أحدها هل النظر للواقف أم للموقوف عليه أم للحاكم فيه ثلاثة أوجه والطريق الثاني يبنى على الخلاف في ملك الرقبة فإن قلنا هو للواقف فالتولية له على الأصح وقيل للحاكم لتعلق حق الغير به وإن قلنا لله تعالى فهي للحاكم وقيل للواقف إذا كان الوقف على جهة عامة فان قيامه بأمر الوقف من تتمة القربة وقيل للموقوف عليه إن كان معيناً لان الغلة والمنفعة له وإن قلنا الملك للموقوف عليه فالتولية له والطريق الثالث قاله كثيرون التولية للواقف بلا خلاف والذي يقتضي كلام معظم الأصحاب الفتوى به أن يقال إن كان الوقف على جهة عامة فالتوالية للحاكم كما لو وقف على مسجد أو رباط وإن كان على معين فكذلك إن قلنا الملك ينتقل إلى الله تعالى وإن جعلناه للواقف أو الموقوف عليه فكذلك التولية‏.‏

فرع صلاحية المتولي لشغل التولية لا بد من صلاحية المتولي لشغل التولية والصلاحية بالأمانة والكفاية في التصرف واعتبارها كاعتبارها في الوصي والقيم وسواء في اشتراطهما المنصوب للتولية والواقف إذا قلنا هو المتولي عند الإطلاق وسواء الوقف على الجهة العامة والأشخاص المعينين وقيل لا تشترط العدالة إذا كان الوقف على معينين ولا طفل فيهم فإن خان حملوه على السداد والصواب المعروف هو الأول حتى لو فوض إلى موصوف بالأمانة والكفاية فاختلت إحداهما انتزع الحاكم الوقف منه وقبول المتولي ينبغي أن يجيء فيه ما في قبول الوكيل والموقوف عليه‏.‏

وظيفة المتولي العمارة والإجارة وتحصيل الغلة وقسمتها على المستحقين وحفظ الأصول والغلات على الاحتياط هذا عند الإطلاق ويجوز أن ينصب الواقف متولياً لبعض الأمور دون بعض بأن يجعل إلى واحد العمارة وتحصيل الغلة وإلى آخر حفظها وقسمتها على المستحقين أو يشرط لواحد الحفظ واليد ولآخر التصرف ولو فرض إلى اثنين لم يستقل أحدهما بالتصرف ولو قال وقفت على أولادي على أن يكون النظر لعدلين منهم فإن لم يكن فيهم إلا عدل واحد ضم إليه الحاكم عدلاً آخر‏.‏

فرع لو شرط الواقف للمتولي شيئاً لو شرط الواقف للمتولي شيئاً من الغلة جاز وكان ذلك أجرة عمله فلو لم يشرط شيئاً ففي استحقاقه أجرة عمله الخلاف السابق فيما لو استعمل إنساناً ولم يذكر له أجرة ولو شرط للمتولي عشر الغلة أجرة لعمله ثم عزله بطل استحقاقه وإن لم يتعرض لكونه أجرة ففي فتاوى القفال أنه لا يبطل استحقاقه لأن العشر وقف عليه فهو كأحد الموقوف عليهم ويجوز أن يقال إذا اثبتنا الأجرة بمجرد التفويض أخذاً من العادة فالعادة تقتضي أن المشروط للمتولي أجرة عمله وإن لم يصفه بأنه أجرة ويلزم من ذلك بطلان الاستحقاق بالعزل‏.‏

فرع أخذ من مال الوقف ليس للمتولي أن يأخذ من مال الوقف شيئاً على أن يضمنه ولو فعل ضمن ولا يجوز ضم الضمان إلى مال الوقف وإقراض مال الوقف حكمه حكم إقراض مال الصبي‏.‏

فرع للواقف أن يعزل من ولاه للواقف أن يعزل من ولاه وينصب غيره كما يعزل الوكيل وكأن المتولي نائب عنه هذا هو الصحيح وبه قال الاصطخري وأبو الطيب ابن سلمة وفي وجه ليس له العزل لأن ملكه زال فلا تبقى ولايته عليه ويشبه أن تكون المسألة مفروضة في التولية بعد تمام الوقف دون ما إذا وقف بشرط أن تكون التولية لفلان لأن في فتاوى البغوي أنه لو وقف مدرسة على أصحاب الشافعي رضي الله عنه ثم قال لعالم فوضت إليك تدريسها أو اذهب ودرس فيها كان له إبداله بغيره ولو وقف بشرط أن يكون هو مدرسها أو قال حال الوقف فوضت تدريسها إلى فلان فهو لازم لا يجوز تبديله كما لو وقف على أولاده الفقراء لا يجوز التبديل بالأغنياء وهذا حسن في صيغة الشرط وغير متضح في قوله وقفتها وفوضت التدريس إليه‏.‏

قلت هذا الذي استحسنه الإمام الرافعي هو الأصح أو الصحيح ويتعين أن تكون صورة المسألة كما ذكر ومن أطلقها فكلامه محمول على هذا وفي فتاوى الشيخ أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى أنه ليس للواقف تبديل من شرط النظر له حال إنشاء الوقف وإن رأى المصلحة في تبديله ولا حكم له في ذلك وأمثاله بعد تمام الوقف ولو عزل الناظر المعين حالة إنشاء الوقف نفسه فليس للواقف نصب غيره فإنه لا نظر له بعد أن جعل النظر في حالة الوقف لغيره بل ينصب الحاكم ناظراً‏.‏

وفيها أنه إذا جعل في حالة الوقف النظر لزيد بعد انتقال الوقف من عمرو إلى الفقراء فعزل زيد نفسه قبل انتقاله إلى الفقراء لم ينفذ عزله ولا يملك الواقف عزل زيد في الحال ولا بعدها كما تقدم‏.‏

وفيها أنه ليس للناظر أن يسند ما جعل له من الإسناد قبل مصير النظر إليه‏.‏

وفيها أنه لو شرط النظر للأرشد من أولاد أولاده فكان الأرشد من أولاد البنات ثبت له النظر‏.‏

وفيها أنه إذا شرط النظر للأرشد من أولاده فأثبت كل واحد منهم أنه الارشد اشتركوا في النظر من غير استقلال إذا وجدت الأهلية في جميعهم فإن وجدت في بعضهم اختص بذلك لان البينات تعارضت في الأرشد فتساقطت وبقي أصل الرشد فصار كما لو قامت البينة برشد الجميع من غير تفصيل وحكمه التشريك لعدم المزية وأما عدم الاستقلال فكما لو أوصى إلى شخصين مطلقاً‏.‏

وفيها أنه لو كان له النظر على مواضع في بلدان فأثبت أهلية نظره في مكان منها ثبت أهليته في باقي الأماكن من حيث الأمانة ولا تثبت من حيث الكفاية إلا أن تثبت أهليته للنظر في سائر الوقوف والله أعلم‏.‏

فرع في فتاوى البغوي أنه لا يبدل بعد موت الواقف القيم الذي نصبه كأنه يجعل بعد موته كالوصي‏.‏

 فصل نفقة العبد والبهيمة الموقوفين

من حيث شرط الواقف فإن لم يشرط ففي الإكساب وعوض المنافع فإن لم يكن العبد كاسباً أو تعطل كسبه ومنافعه لزمانه أو مرض أو لم يف كسبه بنفقته بني على أقوال الملك فإن قلنا الملك للموقوف عليه لزمه النفقة وإن قلنا لله تعالى ففي بيت المال كما لو أعتق من لا كسب له وإن قلنا للواقف فهي عليه فإذا مات ففي بيت المال قاله المتولي لأن التركة انتقلت إلى الورثة والرقبة لم تنتقل إليهم فلا يلزمهم النفقة وقياس قولنا أن رقبة الوقف للواقف انتقالها إلى وارثه وإذا مات فمؤنة تجهيزه كنفقته وأما العقار الموقوف فنفقته من حيث شرط فإن لم يشرط فمن غلته فإن لم يكن غلة لم يجب على أحد عمارته كالملك الطلق بخلاف الحيوان تصان روحه‏.‏

للواقف ولمن ولاه الواقف إجارة الوقف وإذا لم ينصب الواقف للتولية أحداً فالخلاف فيمن له التولية قد سبق فإن قلنا المتولي هو الحاكم فهو الذي يؤجره وإن قلنا إنه الموقوف عليه بناء على الملك له يمكن من الإجارة على الصحيح فإن كان الموقوف عليه جماعة اشتركوا في الإيجار فإن كان فيهم طفل قام وليه مقامه والثاني لا لأنه ربما مات في المدة فيكون تصرفه في نصيب غيره فإن كان الواقف جعل لكل بطن منهم الإجارة فلهم الإجارة قطعاً وإذا أجر الموقوف عليه بحكم الملك وجوزناه فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة لم يتأثر العقد به كما لو أجر الطلق ولو أجر المتولي بحكم التولية ثم حدث ذلك فكذلك الحكم على الأصح لان العقد جرى بالغبطة في وقته فأشبه ما إذا باع الولي مال الطفل ثم ارتفعت القيمة بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة والثاني ينفسخ العقد لأنه بان وقوعه بخلاف الغبطة في المستقبل والثالث إن كانت الإجارة سنة فما دونها لم يتأثر العقد وإن كانت أكثر فالزيادة مردودة وبه قطع أبو الفرج الزاز في الامالي‏.‏

 فصل إذا اندرس شرط الواقف

ولم تعرف مقادير الاستحقاق أو كيفية الترتيب بين أرباب الوقف قسمت الغلة بينهم بالسوية وحكى بعض المتأخرين أن الوجه التوقف إلى اصطلاحهم وهو القياس ولو اختلف أرباب الوقف في شرط الوقف ولا بينة جعلت الغلة بينهم بالسوية فإن كان الواقف حياً رجع إلى قوله كذا ذكره صاحبا المهذب والتهذيب ولو قيل لا رجوع إلى قوله كما لا رجوع إلى قول البائع إذا اختلف المشتريان منه في كيفية الشراء لما كان بعيداً‏.‏

قلت الصواب الرجوع إليه والفرق ظاهر وقولهم جعل بينهم هو فيما إذا كان في أيديهم أو لا يد لواحد منهم أما لو كان في يد بعضهم فالقول قوله قال الغزالي وغيره فإن لم يعرف أرباب الوقف جعلناه كوقف مطلق لم يذكر مصرفه فيصرف إلى تلك المصارف والله أعلم‏.‏

 فصل في تعطل الموقوف

واختلال منافعه وله سببان السبب الأول أن يحصل بسبب مضمون بأن يقتل العبد الموقوف فإما أن لا يتعلق بقتله قصاص وإما أن يتعلق‏.‏

الضرب الأول ينظر فيه هل القاتل أجنبي أم الموقوف عليه أم الواقف‏.‏

الحال الأول إذا قتله أجنبي لزمه قيمته وفي مصرفها طريقان‏.‏

أحدهما تخريجها على أقوال ملك الرقبة إن قلنا لله تعالى اشترى بها عبداً يكون وقفاً مكانه فإن لم يوجد فبعض عبد وإن قلنا للموقوف عليه أو الواقف فوجهان أصحهما كذلك لئلا يتعطل غرض الواقف وحق باقي البطون والثاني يصرف ملكاً إلى من حكمنا له بملك الرقبة وبطل الوقف‏.‏

والطريق الثاني القطع بأنه يشترى بها عبد يكون وقفاً والأصحاب متفقون على أن الفتوى بأنه يشترى عبد وإذا اشتري عبد وفضل شيء من القيمة فهل يعود ملكاً للواقف أم يصرف إلى الموقوف عليه وجهان في فتاوى القفال رحمه الله تعالى‏.‏

قلت الوجهان معاً ضعيفان والمختار أنه يشترى به شقص عبد لأنه بدل جزء من الموقوف والتفريع على وجوب شراء عبد والله أعلم‏.‏

ثم العبد الذي يجعل بدلاً يشتريه الحاكم إن قلنا الملك في الرقبة لله تعالى وإن قلنا للموقوف عليه فالموقوف عليه وإن قلنا للواقف فوجهان ذكره أبو العباس الروياني في الجرجانيات ولا يجوز للمتلف أن يشتري العبد ويقيمه مقام الأول لأن من ثبت في ذمته شيء ليس له استيفاؤه من نفسه لغيره‏.‏

فرع العبد المشترى هل يصير وقفاً بالشراء أم لا بد من وقف جديد وجهان جاريان في بدل المرهون إذا أتلف وبالثاني قطع المتولي وقال الحاكم هو الذي ينشئ الوقف ويشبه أن يقال من يباشر الشراء يباشر الوقف‏.‏

قلت الأصح أنه لا بد من إنشاء الوقف فيه ووافق المتولي آخرون والله أعلم‏.‏

فرع لا يجوز شراء عبد بقيمة الجارية ولا عكسه وفي جواز شراء الصغير بقيمة الكبير وعكسه وجهان حكاهما في الجرجانيات‏.‏

قلت أقواهما المنع لاختلاف الغرض بالنسبة إلى البطون من أهل الوقف والله أعلم‏.‏

الحال الثاني والثالث إذا قتله الموقوف عليه أو الواقف فإن صرفنا القيمة إليه في الحالة الأولى ملكاً فلا قيمة عليه إذا كان هو القاتل وإلا فالحكم والتفريع كالحالة الأولى‏.‏

الضرب الثاني ما يتعلق به القصاص فإن قلنا الملك للواقف أو الموقوف عليه وجب القصاص ويستوفيه المالك منهما وإن قلنا لله تعالى فهو كعبيد بيت المال والأصح وجوب القصاص قاله المتولي ويستوفيه الحاكم‏.‏

فرع جميع ما ذكرناه هذا هو الصحيح وفي وجه يصرف إلى الموقوف عليه على كل قول كالمهر والإكساب‏.‏

فرع إذا جنى العبد الموقوف جناية موجبة للقصاص فللمستحق الاستيفاء فإن استوفى فات الوقف كموته وإن عفا على مال أو كانت موجبة للمال لم تتعلق برقبته لتعذر بيع الوقف لكن يفدى كأم الولد إذا جنت فإن قلنا الملك للواقف فداه وإن قلنا لله تعالى فهل يفديه الواقف أم بيت المال أم يتعلق بكسبه فيه أوجه أصحها أولها وإن قلنا للموقوف عليه فداه على الصحيح الذي قطع به الجمهور وقيل على الواقف وقيل إن قلنا الوقف لا يفتقر إلى القبول فعلى الواقف وإلا فعلى الموقوف عليه وحيث أوجبنا الفداء على الواقف فكان ميتاً ففي الجرجانيات أنه أن ترك مالاً فعلى الوارث الفداء وقال المتولي لا يفدي من التركة لأنها انتقلت إلى الوارث فعلى هذا هل يتعلق بكسبه أم ببيت المال كالحر المعسر الذي لا عاقلة له وجهان ولو مات العبد عقب الجناية بلا فصل ففي سقوط الفداء وجهان أحدهما نعم كما لو جنى القن ثم مات وأصحهما لا وبه قال ابن الحداد ويجري الخلاف فيما إذا جنت أم الولد وماتت وتكرر الجناية من العبد الموقوف قلت وحيث أوجبنا الأرش في جهة وجب أقل الأمرين من قدر قيمته والأرش كذا صرح به الأصحاب منهم صاحباً المهذب والتهذيب وأما قول صاحب البيان إذا أوجبنا على الموقوف عليه تعين الأرش فشاذ باطل والله أعلم‏.‏

السبب الثاني أن يحصل التعطل بسبب غير مضمون فإن لم يبق شيء منه ينتفع به بأن مات الموقوف فقد فات الوقف وإن بقي كشجرة جفت أو قلعتها الريح فوجهان أحدهما ينقطع الوقف كموت العبد فعلى هذا ينقلب الحطب ملكاً للواقف وأصحهما لا ينقطع وعلى هذا وجهان أحدهما يباع ما بقي لتعذر الانتفاع بشرط الواقف فعلى هذا الثمن كقيمة المتلف فعلى وجه يصرف إلى الموقوف عليه ملكاً وفي وجه يشترى به شجرة أو شقص شجرة من جنسها لتكون وقفاً ويجوز أن يشترى به ودي يغرس موضعها وأصحها منع البيع فعلى هذا وجهان أحدهما ينتفع بإجارته جذعاً إدامة للوقف في عينه والثاني يصير ملكاً للموقوف عليه واختار المتولي وغيره الوجه الأول إن أمكن استيفاء منفعة منه مع بقائه والوجه الثاني إن كانت منفعته في استهلاكه‏.‏

فرع قلت هذا إذا كانت الدابة مأكولة فإنه يصح بيعها للحمها فإن كانت غير مأكولة لم يجئ الخلاف في بيعها لأنه لا يصح بيعها إلا على الوجه الشاذ في صحة بيعها اعتماداً على جلدها والله أعلم‏.‏

فرع حصر المسجد إذا بليت ونحاتة أخشابه إذا نخزت وأستار الكعبة إذا لم يبق فيها منفعة ولا جمال في جواز بيعها وجهان أصحهما تباع لئلا تضيع وتضيق المكان بلا فائدة والثاني لا تباع بل تترك بحالها أبداً وعلى الأول قالوا يصرف ثمنها في مصالح المسجد والقياس أن يشترى بثمن الحصير حصير ولا يصرف في مصلحة أخرى ويشبه أن يكون هو المراد بإطلاقهم وجذع المسجد المنكسر إذا لم يصلح لشيء سوى الإحراق فيه هذا الخلاف وإن أمكن أن يتخذ منه ألواح أو أبواب قال المتولي يجتهد الحاكم ويستعمله فيما هو أقرب إلى مقصود الواقف ويجري الخلاف في الدار المنهدمة وفيما إذا أشرف الجذع على الانكسار والدار على الإنهدام قال الإمام وإذا جوزنا البيع فالأصح صرف الثمن إلى جهة الوقف وقيل هو كقيمة المتلف فيصرف إلى الموقوف عليه ملكاً على رأي وإذا قيل به فقال الموقوف عليه لا تبيعوها واقلبوها فرع لو انهدم المسجد أو خربت المحلة حوله وتفرق الناس عنها فتعطل المسجد لم يعد ملكاً بحال ولا يجوز بيعه لإمكان عوده كما كان ولأنه في الحال يمكن الصلاة فيه ثم المسجد المعطل في الموضع الخراب إن لم يخف من أهل الفساد نقضه لم ينفض وإن خيف نقض وحفظ وإن رأى الحاكم أن يعمر بنقضه مسجداً آخر جاز وما كان أقرب إليه فهو أولى ولا يجوز صرفه إلى عمارة بئر أو حوض وكذا البئر الموقوفة إذا خربت يصرف نقضها إلى بئر أخرى أو حوض لا إلى المسجد ويراعي غرض الواقف ما أمكن‏.‏

فرع جميع ما ذكرناه في حصر المسجد ونظائرها هو فيما إذا كانت موقوفة على المسجد أما ما اشتراه الناظر للمسجد أو وهبه له واهب وقبله الناظر فيجوز بيعه عند الحاجة بلا خلاف لأنه ملك حتى إذا كان المشتري للمسجد شقصاً كان للشريك الأخذ بالشفعة ولو باع الشريك فللناظر الأخذ بالشفعة عند الغبطة هكذا ذكروه‏.‏

قلت هذا إذا اشتراه الناظر ولم يقفه أما إذا وقفه فإنه يصير وقفاً قطعاً وتجري عليه أحكام فرع لو وقف على ثغر فاتسعت خطة الإسلام حوله تحفظ غلة الوقف لاحتمال عودة ثغراً‏.‏

فرع قال أبو عاصم العبادي لو وقف على قنطرة فانخرق الوادي وتعطلت تلك القنطرة واحتيج إلى قنطرة أخرى جاز النقل إلى ذلك الموضع‏.‏

فرع إذا خرب العقار الموقوف على المسجد وهناك فاضل من غلته بدئ منه بعمارة العقار‏.‏

فرع قال ابن كج إذا حصل مال كثير من غلة المسجد أعد منه قدر ما لو خرب المسجد أعيدت به العمارة والزائد يشترى به للمسجد ما فيه زيادة غلة وفي فتاوى القفال أن الموقوف لعمارة المسجد لا يشترى به شيء أصلاً لأن الواقف وقف على العمارة‏.‏

 فصل في مسائل منثورة تتعلق بالباب

إحداها وقف على الطالبيين وجوزناه كفى الصرف إلى ثلاثة ويجوز أن يكون أحدهم من أولاد علي والثاني من أولاد جعفر والثالث من أولاد عقيل رضي الله عنهم ولو وقف على أولاد علي وأولاد عقيل وأولاد جعفر رضي الله عنهم فلا بد من الصرف إلى ثلاثة من كل صنف‏.‏

الثانية وقف شجرة ففي دخول المغرس وجهان وكذا حكم الأساس مع البناء‏.‏

الثالثة وقف على عمارة المسجد لا يجوز صرف الغلة إلى النقش والتزويق وذكر في العدة أنه يجوز دفع أجرة القيم منه ولا يجوز صرف شيء منه إلى الإمام والمؤذن والفرق أن القيم يحفظ العمارة قال ويجوز أن يشترى منه البواري ولا يشترى الدهن على الأصح والذي ذكره البغوي وأكثر من تعرض للمسألة أنه لا يشترى منه الدهن ولا الحصير والتجصيص الذي فيه إحكام معدود من العمارة وإذا وقف على عمارة المسجد جاز أن يشترى منه سلم لصعود السطح ومكانس يكنس بها ومساحي لنقل التراب لأن ذلك كله لحفظ العمارة ولو كان يصيب بابه المطر ويفسده جاز بناء ظلة منه وينبغي أن لا يضر بالمارة ولو وقف على مصلحة المسجد لم يجز النقش والتزويق ويجوز شراء الحصر والدهن والقياس جواز الصرف إلى الإمام والمؤذن أيضاً والموقوف على الحشيش والسقف لا يصرف إلى الحصير ولا بالعكس والموقوف على أحدهما لا يصرف إلى اللبود ولا بالعكس ولو وقف على المسجد مطلقاً وجوزناه قال البغوي هو كالوقف على عمارة المسجد وفي الجرجانيات في جواز الصرف إلى النقش والتزويق في هذه الصورة وجهان وفي فتاوى الغزالي أنه يجوز هنا صرف الغلة إلى الإمام والمؤذن وأنه يجوز بناء منارة للمسجد ويشبه أن يجوز بناء المنارة من الموقوف على عمارة المسجد أيضاً ولو وقف على النقش والتزويق فوجهان قريبان من الخلاف في جواز تحلية المصحف‏.‏

قلت الأصح لا يصح الوقف على النقش والتزويق لأنه منهي عنه والله أعلم‏.‏

الرابعة إذا قال المتولي أنفقت كذا فالظاهر قبول قوله عند الاحتمال‏.‏

الخامسة لا يجوز قسمة العقار الموقوف بين أرباب الوقف وقال ابن القطان إن قلنا القسمة إفراز جاز فإذا انقرض البطن الأول انقضت القسمة ويجوز لأهل الوقف المهايأة قاله ابن كج‏.‏

السادسة لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته فلا تجعل الدار بستاناً ولا حماماً ولا بالعكس إلا إذا جعل الواقف إلى الناظر ما يرى فيه مصلحة للوقف وفي فتاوى القفال أنه يجوز أن يجعل حانوت القصارين للخبازين فكأنه احتمل تغيير النوع دون الجنس ولو هدم الدار أو البستان ظالم أخذ منه الضمان وبني به أو غرس ليكون وقفاً مكان الأول ولو انهدم البناء وانقلعت الأشجار استغلت الأرض بالإجارة لمن يزرعها أو يضرب فيها خيامه ثم تبنى وتغرس من غلتها ويجوز أن يقرض الإمام الناظر من بيت المال أو يأذن له في الاقتراض أو الإنفاق من مال نفسه على العمارة بشرط الرجوع وليس له الاقتراض دون إذن الإمام‏.‏

قلت ومن ذلك الكيزان المسبلة على أحواض الماء والأنهر ونحوها فلا ضمان على من تلف في يده شيء منها بلا تعد فإن تعدى ضمن ومن التعدي استعماله في غير ما وقف له والله أعلم‏.‏

الثامنة لو انكسر المرجل والطنجير الموقوفان ووجد متبرع بالإصلاح فذاك وإلا اتخذ منه أصغر وأنفق الباقي على إصلاحه فإن لم يمكن اتخاذ مرجل وطنجير اتخذ منه ما يمكن من قصعة ومغرفة وغيرهما ولا حاجة هنا إلى إنشاء وقفه فإنه غير الموقوف‏.‏

التاسعة الوقف على الفقراء هل يختص بفقراء بلد الواقف فيه الخلاف المذكور فيما لو أوصى للفقراء وهل يجوز الدفع منه إلى فقيرة لها زوج يمونها فيه خلاف سبق في أول قسم الصدقات

قلت سبق هناك أن الأصح أنه لا يدفع إليها ولا إلى الابن المكفي بنفقة أبيه قال صاحب المعاياة ولو كان له صنعة يكتسب بها كفايته ولا مال له استحق الوقف باسم الفقر قطعاً وفي هذا الذي قاله احتمال والله أعلم‏.‏

العاشرة سئل الحناطي عن شجرة تنبت في المقبرة هل يجوز للناس الأكل من ثمرها فقال قيل يجوز وعندي الأولى أن تصرف في مصالح المقبرة قلت المختار الجواز والله أعلم‏.‏

وسئل عن شجرة غرسها رجل في المسجد فقال إن غرسها للمسجد لم يجز أكل ثمرها بلا عوض ويجب صرف عوضها في مصالح المسجد وينبغي أن لا تغرس الأشجار في المسجد‏.‏

قلت وإن غرسها مسبلة للأكل جاز أكلها بلا عوض وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة به وسبق في كتاب الصلاة أنها تقلع والله أعلم‏.‏

الحادية عشرة قال الأئمة إذا جعل البقعة مسجداً فكان فيها شجرة جاز للإمام قلعها باجتهاده وبماذا ينقطع حق الواقف عن الشجرة قال الغزالي في الفتاوى مجرد ذكر الأرض لا يخرج الشجرة عن ملكه كبيع الأرض وحينئذ لا يكلف تفريغ الأرض ولك أن تقول في استتباع الأرض للشجر في البيع قولان وإذا قال جعلت هذه الأرض مسجداً فلا تدخل الشجرة قطعاً لأنها لا تجعل مسجداً ولو جعل الأرض مسجداً ووقف الشجرة عليها فعلى هذه الصورة ونحوها ينزل كلام الأصحاب‏.‏

الثانية عشرة أفتى الغزالي بأنه يجوز وقف الستور لتستر بها جدران المسجد وينبغي أن يجيء فيه الخلاف السابق في النقش والتزويق‏.‏

الثالثة عشرة لو وقف على دهن السراج للمسجد جاز وضعه في جميع الليل لأنه أنشط للمصلين‏.‏

قلت إنما يسرج جميع الليل إذا انتفع به من في المسجد كمصل ونائم وغيرهما فإن كان المسجد مغلقاً ليس فيه أحد ولا يمكن دخوله لم يسرج لأنه إضاعة مال والله أعلم‏.‏

قسم الشافعي رضي الله عنه العطايا فقال تبرع الإنسان بماله على غيره ينقسم إلى معلق بالموت وهو الوصية وإلى منجز في الحياة وهو ضربان أحدهما تمليك محض كالهبات والصدقات والثاني الوقف‏.‏

والتمليك المحض ثلاثة أنواع الهبة والهدية وصدقة التطوع‏.‏

وسبيل ضبطها أن نقول التمليك لا بعوض هبة فإن انضم إليه حمل الموهوب من مكان إلى مكان الموهوب له إعظاماً له أو إكراماً فهو هدية وإن انضم إليه كون التمليك للمحتاج تقرباً إلى الله تعالى وطلباً لثواب الآخرة فهو صدقة فامتياز الهدية عن الهبة بالنقل والحمل من موضع إلى موضع ومنه إهداء النعم إلى الحرم ولذلك لا يدخل لفظ الهدية في العقار بحال فلا يقال أهدى إليه داراً ولا أرضاً وإنما يطلق ذلك في المنقولات كالثياب والعبيد فحصل من هذا أن هذه الأنواع تفترق بالعموم والخصوص فكل هدية وصدقة هبة ولا تنعكس ولهذا لو حلف لا يهب فتصدق حنث وبالعكس لا يحنث واختلفوا في أنه هل يشترط في حد الهدية أن يكون بين المهدي والمهدي إليه رسول أو متوسط أم لا فحكى أبو عبد الله الزبيري فيما إذا حلف لا يهدي إليه فوهب له خاتماً أو نحوه يداً بيد هل يحنث وجهين والأصح أنه لا يشترط وينتظم أن يقول لمن حضر عنده هذه هديتي أهديتها لك وهذه الأنواع الثلاثة مندوب إليها وتفترق في أحكام قلت قال أصحابنا وفعلها مع الأقارب ومع الجيران أفضل من غيرهم والله أعلم‏.‏

ويشتمل الكتاب على بابين‏.‏

 الباب الأول في أركان الهبة وشرط لزومها أما أركانها فأربعة

الركن الأول والثاني العاقدان وأمرهما واضح‏.‏

الركن الثالث الصيغة أما الهبة فلا بد فيها من الإيجاب والقبول باللفظ كالبيع وسائر التمليكات

وأما الهدية ففيها وجهان أحدهما يشترط فيها الإيجاب والقبول كالبيع والوصية وهذا ظاهر كلام الشيخ أبي حامد والمتلقين عنه والثاني لا حاجة فيها إلى إيجاب وقبول باللفظ بل يكفي القبض ويملك به وهذا هو الصحيح الذي عليه قرار المذهب ونقله الإثبات من متأخري الأصحاب وبه قطع المتولي والبغوي واعتمده الروياني وغيرهم‏.‏

واحتجوا بأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقبلها ولا لفظ هناك وعلى جرى ذلك الناس في الإعصار ولذلك كانوا يبعثون بها على أيدي الصبيان الذين لا عبارة لهم‏.‏

فإن قيل هذا كان إباحة لا هدية وتمليكاً فجوابه أنه لو كان إباحة لما تصرفوا فيه تصرف الملاك ومعلوم أن ما قبله النبي صلى الله عليه وسلم كان يتصرف فيه ويملكه غيره ويمكن أن يحمل كلام من اعتبر الإيجاب والقبول على الأمر المشعر بالرضى دون اللفظ ويقال الأشعار بالرضى قد يكون لفظاً وقد يكون فعلاً‏.‏

فرع الصدقة كالهدية بلا فرق فيما ذكرناه وسواء فيما ذكرناه في الهدية الأطعمة وغيرها‏.‏

فرع في مسائل تتعلق بما سبق إحداها حيث اعتبرنا الإيجاب والقبول لا يجوز التعليق على شرط ولا التوقيت على المذاهب وفيهما كلام سنذكره في العمرى إن شاء الله تعالى وكذلك لا يجوز تأخير القبول عن الإيجاب بل يشترط التواصل المعتاد كالبيع وعن ابن سريج جواز تأخير القبول كما في الوصية وهذا الخلاف حكاه كثيرون في الهبة وخصه المتولي بالهدية وجزم بمنع التأخير في الهبة والقياس التسوية بينهما ثم في الهدايا التي يبعث بها من موضع إلى موضع وإن اعتبرنا اللفظ والقبول على الفور فإما أن يوكل الرسول ليوجب ويقبل المبعوث إليه وإما أن يوجب المهدي ويقبل المهدى إليه عند الوصول الثانية إذا كانت الهبة لمن ليس له أهلية القبول نظر إن كان الواهب أجنبياً قبل له من يلي أمره من ولي ووصي وقيم وإن كان الواهب ممن يلي أمره فإن كان غير الأب والجد قبل له الحاكم أو نائبه وإن كان أباً أو جداً تولى الطرفين وهل يحتاج إلى لفظي الإيجاب والقبول أم يكفي أحدهما وجهان كما سبق في البيع قال الإمام وموضع الوجهين في القبول ما إذا أتى بلفظ مستقل كقوله اشتريت لطفلي أو اتهبت له كذا أما قوله قبلت البيع والهبة فلا يمكن الاقتصار عليه بحال‏.‏

فرع لا اعتبار بقبول متعهد الطفل الذي لا ولاية له عليه‏.‏

الثالثة إذا وهب لعبد غيره فالمعتبر قبول العبد وفي افتقاره إلى إذن سيده خلاف سبق‏.‏

الرابعة وهب له شيئاً فقبل نصفه أو وهب له عبدين فقبل أحدهما ففي صحته وجهان والفرق بينه وبين البيع أن البيع معاوضة‏.‏

الخامسة غرس أشجاراً وقال عند الغراس أغرسه لابني لم يصر للابن ولو قال جعلته لابني وهو صغير صار للابن لأن هبته له لا تقتضي قبولاً بخلاف ما لو جعله لبالغ كذا قاله الشيخ أبو عاصم وهو ملتفت إلى الانعقاد بالكنايات وإلى أن هبة الأب لابنه الصغير يكفي فيها أحد السادسة لو ختن ابنه واتخذ دعوة فحملت إليه هدايا ولم يسم أصحابها الأب ولا الابن فهل تكون الهدية ملكاً للأب أم للابن فيه وجهان‏.‏

قلت قطع القاضي حسين في الفتاوى بأنه للابن وأنه يجب على الأب أن يقبلها لولده فإن لم يقبل أثم قال وكذا وصي وقيم يقبل الهدية والوصية للصغير قال فإن لم يقبل الوصي الوصية والهدية أثم وانعزل لتركه النظر وفي فتاوى القاضي أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي قال تكون ملكاً للأب لأن الناس يقصدون التقرب إليه وهذا أقوى وأصح والله أعلم‏.‏

السابعة بعث إليه هدية في ظرف والعادة في مثلها رد الظرف لم يكن الظرف هدية فإن كان العادة أن لا يرد كقوصرة التمر فالظرف هدية أيضاً وقد يميز القسمان بكونه مشدوداً فيه وغير مشدود وإذا لم يكن الظرف هدية كان أمانة في يد المهدي إليه وليس له استعماله في غير الهدية وأما فيها فإن اقتضت العادة تفريغه لزم تفريغه وإن اقتضت التناول منه جاز التناول منه قال البغوي ويكون عارية‏.‏

الثامنة بعث كتاباً إلى حاضر أو غائب وكتب فيه أن اكتب الجواب على ظهره لزمه رده وليس له التصرف فيه وإلا فهو هدية يملكها المكتوب إليه قاله المتولي وقال غيره يبقى على ملك الكاتب وللمكتوب إليه الانتفاع به على سبيل الإباحة‏.‏

قلت هذا الثاني حكاه صاحب البيان عن حكاية القاضي أبي الطيب عن بعض الأصحاب والأول أصح والله أعلم‏.‏

التاسعة أعطاه درهماً وقال ادخل به الحمام أو دراهم وقال اشتر بها لنفسك عمامة ونحو ذلك ففي فتاوى القفال أنه إن قال ذلك على سبيل التبسط المعتاد ملكه وتصرف فيه كيف شاء وإن كان غرضه تحصيل ما عينه لما رأى به من الشعث والوسخ أو لعلمه بأنه مكشوف الرأس لم يجز صرفه إلى غير ما عينه‏.‏

قلت وقال القاضي حسين في الفتاوى وهل يتعين يحتمل وجهين وقال ولو طلب الشاهد مركوباً ليركبه في أداء الشهادة فأعطاه دراهم ليصرفها إلى مركوب هل له صرفها إلى جهة أخرى وجهان الصحيح المختار ما قاله القفال قال القاضي ولو قال وهبتك هذه الدراهم بشرط أنك تشتري بها خبزاً لتأكله لم تصح الهبة لأنه لم يطلق له التصرف والله أعلم‏.‏

العاشرة سئل الشيخ أبو زيد رحمه الله تعالى عن رجل مات أبوه فبعث إليه رجل ثوباً ليكفنه فيه هل يملكه حتى يمسكه ويكفنه في غيره فقال إن كان الميت ممن يتبرك بتكفينه لفقه وورع فلا ولو كفنه في غيره وجب رده إلى مالكه‏.‏

الحادية عشرة في فتاوى الغزالي أن خادم الصوفية الذي يتردد في السوق ويجمع لهم شيئاً يأكلونه يملكه الخادم الصرف ولا يلزمه الصرف إليهم إلا أن المروءة تقتضي الوفاء بما تصدى له ولو لم يف فلهم منعه من أن يظهر الجمع لهم والإنفاق عليهم وإنما ملكه لأنه ليس بولي ولا وكيل عنهم بخلاف هدايا الختان‏.‏

قلت ومن مسائل الفصل أن قبول الهدايا التي يجيء بها الصبي المميز جائز باتفاقهم وقد سبق في كتاب البيع وإنه يجوز قبول هدية الكافر وأنه يحرم على العمال وأهل الولايات قبول هدية من رعاياهم والله أعلم‏.‏

 فصل في العمرى والرقبى

أما العمرى فقوله أعمرتك هذه الدار مثلاً أو جعلتها لك عمرك أو حياتك أو ما عشت أو حييت أو بقيت وما يفيد هذا المعنى ثم له أحوال‏.‏

أحدها أن يقول مع ذلك فإذا مت فهي لورثتك أو لعقبك وهي الهبة بعينها لكنه طول العبارة فإذا مات فالدار لورثته فإن لم يكونوا فلبيت المال ولا يعود إلى الواهب بحال‏.‏

الثاني يقتصر على قوله جعلتها لك عمرك ولم يتعرض لما سواه فقولان أظهرهما وهو الجديد أنه يصح وله حكم الهبة والقديم أنه باطل وقيل إن القديم أن الدار تكون للمعمر حياته فإذا مات عادت إلى الواهب أو ورثته كما شرط وقيل القديم أنها تكون عارية يستردها متى شاء فإذا مات عادت إلى الواهب‏.‏

الثالث أن يقول جعلتها لك عمرك فإذا مت عادت إلي أو إلى ورثتي إن كنت مت فإن قلنا بالبطلان في الحال الثاني فهنا أولى وإن قلنا بالصحة والعود إلى الواهب فكذا هنا وإن قلنا بالجديد فوجهان أحدهما البطلان والصحيح الصحة وبه قطع الأكثرون وسووا بينه وبين حالة الإطلاق وكأنهم أخذوا بإطلاق الأحاديث الصحيحة وعدلوا به عن قياس الشروط الفاسدة‏.‏

وأما الرقبى فهو أن يقول وهبت لك كل هذه الدار عمرك على أنك إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك أو جعلت هذه الدار لك رقبى أو أرقبتها لك وحكمها حكم الحال الثالث من العمرى وحاصله طريقان أحدهما القطع بالبطلان وأصحهما قولان الجديد الأظهر صحته ويلغو الشرط فالحاصل أن المذهب صحة العمرى والرقبى في الأحوال الثلاثة فإذا صححناهما وألغينا الشرط تصرف المعمر في المال كيف شاء وإن أبطلنا العقد أو جعلناه عارية فلا يخفى أنه ليس له التصرف بالبيع ونحوه وإن قلنا بصحة العقد والشرط فباع الموهوب له ثم مات فقد ذكر الإمام احتمالين أصحهما عنده لا ينفذ البيع لأن مقتضى البيع التأبيد وهو لم يملك إلا مؤقتاً فكيف يملك غيره ما لم يملكه والثاني ينفذ كبيع المعلق عتقه على صفة وبهذا قطع ابن كج وعلله بأنه ملك في الحال والرجوع أمر يحدث وشبهه برجوع نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول فإذا صححنا بيعه فيشبه أن يرجع الواهب في تركته بالغرم رجوع الزوج إذا طلق بعد خروج الصداق عن ملكها قال الإمام وفي رجوع المال إلى ورثة الواهب إذا مات قبل الموهوب له استبعاد لأنه إثبات ملك لهم فيما لم يملكه المورث لكنه كما لو نصب شبكة فوقع بها صيد بعد موته يكون ملكاً للورثة والصحيح أنه تركة تقضى منها ديونه وتنفذ الوصايا‏.‏

فرع قال جعلت هذه الدار لك عمري أو حياتي فوجهان أحدهما أنه كقوله جعلتها لك عمرك أو حياتك لشمول اسم العمرى وأصحهما البطلان لخروجه عن اللفظ المعتاد ولما فيه من تأقيت الملك فإنه قد يموت الواهب أولا بخلاف العكس فإن الإنسان لا يملك إلا مدة حياته فلا توقيت فيه وأجري الخلاف فيما لو قال جعلتها لك عمر فلان وخرج من تصحيح العقد وإلغاء الشرط في هذه الصرة وجه أن الشرط الفاسد لا يفسد الهبة وطرد ذلك في الوقف ثم منهم من خص الخلاف في هذه القاعدة بما هو من قبيل الأوقات كقوله وهبتك أو وقفتها سنة ومنهم من طرده في كل شرط كقوله وهبتك بشرط أن لا تبيعه إذا قبضته ونحو ذلك وفرقوا بين البيع والهبة والوقف بأن الشرط في البيع يورث جهالة الثمن فيفسد البيع والمذهب فساد الهبة والوقف بالشروط المفسدة للبيع بخلاف العمرى لما فيها من الأحاديث الصحيحة‏.‏

فرع لو باع على صورة العمرى فقال ملكتكها بعشر عمرك قال ابن كج لا يبعد عندي جوازه تفريعاً على الجديد وقال أبو علي الطبري لا يجوز‏.‏

فرع لا يجوز تعليق العمرى كقوله إذا مات أو قدم فلان أو جاء رأس الشهر فقد أعمرتك هذه الدار أو فهي لك عمرك فلو علق بموته فقال إذا مت فهذه الدار لك عمرك فهي وصية تعتبر من الثلث فلو قال إذا مت فهي لك عمرك فإذا مت عادت إلى ورثتي فهي وصية بالعمرى على صورة الحالة الثالثة‏.‏

فرع جعل رجلان كل واحد منهما داره للآخر عمره على أنه إذا مات قبله عادت إلى صاحب الدار فهذه رقبى من الجانبين‏.‏

فرع قال داري لك عمرك فإذا مت فهي لزيد أو عبدي لك عمرك فإذا مت فهو حر صحت العمرى على قوله الجديد الركن الرابع الموهوب فما جاز بيعه جازت هبته وما لا فلا هذا هو الغالب وقد يختلفان فتجوز هبة المشاع سواء المنقسم وغيره وسواء وهبه للشريك أو غيره وتجوز هبة الأرض المزروعة مع زرعها ودون زرعها وعكسه‏.‏

فرع لو وهب لاثنين فقبل أحدهما نصفه فوجهان كالبيع وقطع صاحب الشامل بالتصحيح‏.‏

فرع لا تصح هبة المجهول ولا الآبق والضال وتجوز هبة المغصوب لغير الغاصب إن قدر على الانتزاع وإلا فوجهان وأما هبته للغاصب فقد ذكرناها في كتاب الرهن وتجوز هبة المستعار لغير المستعير ثم إذا قبض الموهوب له بالإذن برئ الغاصب والمستعير من الضمان وتجوز هبة المستأجرة إذا جوزنا بيعها وإلا ففيها الوجهان ثم قال الشيخ أبو حامد وغيره ولو وكل الموهوب له الغاصب أو المستعير أو المستأجر في قبض ما في يده في نفسه وقبل صح وإذا مضت مدة يتأنى فيها القبض برئ الغاصب والمستعير من الضمان وهذا يخالف الأصل المشهور في أن الشخص لا يكون قابضاً مقبضاً وفي هبة المرهون وجهان إن صححناها انتظرنا فإن بيع في الرهن بأن بطلان الهبة وإن فك الرهن فللواهب الخيار من الاقباض ويجري الوجهان في هبة الكلب وجلد الميتة قبل الدباغ والخمر المحترمة والأصح من الوجهين في هذه الصور كلها البطلان قياساً على البيع والثاني الصحة لأنها أخف من البيع قال الإمام من صحح فيها فحقه تصحيحها في المجهول والآبق كالوصية‏.‏

فرع إذا وهب الدَّين لمن هو عليه فهو إبراء ولا يحتاج إلى القبول على المذهب وقيل يحتاج اعتباراً باللفظ وإن وهبه لغير من هو عليه لم يصح على المذهب وقيل في صحته وجهان كرهن الدين فإن صححنا ففي افتقار لزومها إلى قبض الدين وجهان فإن قلنا لا يفتقر فهل يلزم بنفس الإيجاب والقبول كالحوالة أم لا بد من إذن جديد ويكون ذلك كالتخلية فيما لا يمكن نقله وجهان‏.‏

فرع رجل عليه زكاة وله دين على مسكين فوهب له الدين بنية الزكاة لم يقع الموقع لأنه إبراء بتمليك وإقامة الإبراء مقام التمليك إبدال وذلك لا يجوز في الزكاة هكذا قال صاحب التقريب ولك أن تقول ذكروا وجهين في أن هبة الدين ممن عليه الدين تنزل منزلة التمليك أم هو محض إسقاط وعلى هذا خرج اعتبار القبول فيها فإن قلنا تمليك وجب أن يقع الموقع‏.‏

ولو كان الدين على غير للمسكين فوهبه للمسكين بنية الزكاة وقلنا تصح الهبة ولا يعتبر القبض

 فصل شرط لزوم الهبة

وأما شرط لزوم الهبة فهو القبض فلا يحصل الملك في الموهوب والهدية إلا بقبضهما هذا هو المشهور وفي قول قديم يملك بالعقد كالوقف وفي قول مخرج الملك موقوف فإن قبض تبينا أنه ملك بالعقد ويتفرع على الأقوال أن الزيادة الحادثة بين العقد والقبض لمن تكون ولو مات الواهب أو الموهوب له بعد العقد وقبل القبض فوجهان وقيل قولان أحدهما ينفسخ العقد لجوازه كالشركة والوكالة وأصحهما لا ينفسخ لأنه يؤول إلى اللزوم كالبيع الجائز بخلاف الشركة فعلى هذا إن مات الواهب تخير الوارث في الاقباض وإن مات الموهوب له قبض وارثه إن أقبضه الواهب ويجري الخلاف في جنون أحدهما وإغمائه‏.‏

قلت قال البغوي ويقبض بعد الأفاقة منهما ولا يصح القبض في حال الجنون والإغماء والله أعلم‏.‏

فرع القبض المحصل للملك هو الواقع بإذن الواهب فلو قبض بلا إذنه لم يملكه ودخل في ضمانه سواء قبض في مجلس العقد أو بعده ولو كان الموهوب في يد الموهوب له فحكمه ما سبق في كتاب الرهن ولو أذن في القبض ثم رجع عنه قبل القبض صح رجوعه فلا يصح القبض بعده وكذا لو أذن ثم مات الإذن أو فرع بعث هدية إلى إنسان فمات المهدى إليه قبل وصولها إليه بقيت الهدية للمهدي ولو مات المهدي لم يكن للرسول حملها إلى المهدي إليه وكذا المسافر إذا اشترى لأصدقائه هدايا فمات قبل وصولها إليهم فهي له تركة‏.‏

فرع كيفية القبض في العقار والمنقول كما سبق في البيع وحكينا هنا قولا أن التخلية في المنقول قبض قال المتولي لا جريان له هنا لأن القبض هناك مستحق وللمشتري المطالبة به فجعل التمكين قبضاً وفي الهبة غير مستحق فاعتبر تحقيقه ولم يكتف بالوضع بين يديه‏.‏

قلت فلو كان الموهوب مشاعاً فإن كان غير منقول فقبضه بالتخلية وإن كان منقولا فقبضه بقبض الجميع قال أصحابنا صاحب الشامل وآخرون فيقال للشريك ليرضى بتسليم نصيبه أيضاً إلى الموهوب له ليكون في يده وديعة حتى يتأتى القبض ثم يرده إليه فإن فعل فقبض الموهوب الجميع ملك وإن امتنع قيل للموهوب له وكل الشريك في القبض لك فإن فعل نقله الشريك وقبضه له فإن امتنعا نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله ليحصل القبض لأنه لا ضرر في ذلك عليهما والله أعلم‏.‏

فرع لو أتلف المتهب الموهوب لم يصر قابضاً بخلاف المشتري إذا أتلف المبيع والفرق ما سبق في الفرع قبله ولو أذن الواهب للموهوب له في أكل طعام الموهوب فأكله أو في إعتاق الموهوب فأعتقه أو أمر الموهوب له الواهب باعتاقه فأعتقه كان قابضاً‏.‏

فرع لو باع الواهب الموهوب قبل الاقباض حكى الشيخ أبو حامد أنه إن كان يعتقد أن الهبة غير لازمة صح بيعه وبطلت الهبة وإن اعتقد لزومها وحصول الملك بالعقد ففي صحة بيعه قولان كمن مال أبيه يظن أنه حي فبان ميتاً‏.‏

فرع في مسائل محكية عن نص الشافعي رضي الله عنه لو قال وهبته له وملكه لم يكن إقراراً بلزوم الهبة لجواز أن يعتقد لزومها وحصول الملك بالعقد والإقرار يحمل على اليقين ولو قال وهبته له وخرجت إليه منه فإن كان الموهوب في يد المتهب كان إقراراً بالقبض وإن كان في يد الواهب فلا ولو قيل له وهبت دارك لفلان وأقبضته فقال نعم كان إقراراً بالهبة والاقباض‏.‏

 الباب الثاني في حكم الهبة

في الرجوع والثواب الطرف الأول في الرجوع فالهبة تنقسم إلى مقيدة بنفي الثواب ومقيدة بإثباته ومطلقة أما المقيدة بنفي الثواب فتلزم بنفس القبض ولا رجوع فيها إلا للوالد فإنه يرجع فيما وهبه لولده كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

 فصل العدل بين الأولاد في العطية

ينبغي للوالد أن يعدل بين أولاده في العطية فإن لم يعدل فقد فعل مكروهاً لكن تصح الهبة والأولى في هذا الحال أن يعطي الآخرين ما يحصل به العدل ولو رجع جاز وإذا أعطى وعدل كره له الرجوع وكذا لو كان ولداً واحداً فوهب له كره الرجوع إن كان الولد عفيفاً باراً فإن كان عاقاً أو يستعين بما أعطاه في معصية فلينذره بالرجوع فإن أصر لم يكره الرجوع‏.‏

فرع كيفية العدل بين الأولاد في الهبة في كيفية العدل بين الأولاد في الهبة وجهان أصحهما أن يسوي بين الذكر والأنثى والثاني يعطي الذكر مثل حظ الانثيين‏.‏

قلت وإذا وهبت الأم لأولادها فهي كالأب في العدل بينهم في كل ما ذكرناه وكذلك الجد والجدة وكذا الابن إذا وهب لوالديه قال الدارمي فإن فضل فليفضل الأم والله أعلم‏.‏

وعن ابن سريج أنه إنما يرجع إذا قصد بهبته استجلاب بر أو دفع عقوق فلم يحصل فإن أطلق الهبة ولم يقصد ذلك فلا رجوع والصحيح الجواز مطلقاً وأما الأم والأجداد والجدات من جهة الأب والأم فالمذهب أنهم كالأب وفي قول لا رجوع لهم وقيل ترجع الأم وفي غيرها قولان وقيل يرجع آباء الأب وفي غيرهم قولان ولا رجوع لغير الأصول كالاخوة والأعمام وغيرهم من الأقارب قطعاً وسواء في ثبوت الرجوع للوالد كانا متفقين في الدين أم لا ولو وهب لعبد ولده رجع ولو وهب لمكاتب ولده فلا وهبته لمكاتب نفسه كالأجنبي ولو تنازع رجلان مولوداً ووهبا له فلا رجوع لواحد منهما فإن ألحق بأحدهما فوجهان لأن الرجوع لم يكن ثابتاً ابتداء‏.‏

قلت أصحهما الرجوع وبه قطع ابن كج لثبوت بنوته في الأحكام والله أعلم‏.‏

فرع حكم الرجوع في الهدية حكم الرجوع في الهدية حكمه في الهبة ولو تصدق على ولده فله الرجوع على الأصح المنصوص قال المتولي ولو أبرأه من دين بني على أن الإبراء إسقاط أو تمليك إن قلنا تمليك رجع وإلا فلا‏.‏

قلت ينبغي أن لا يرجع على التقديرين والله أعلم‏.‏

وهب لولده ثم مات الواهب ووارثه أبوه لكون الولد مخالفاً في الدين فلا رجوع للجد‏.‏

فرع الموهوب إما أن لا يكون باقياً في سلطنة المتهب وإما أن يكون‏.‏

القسم الأول أن لا يكون بأن أتلف أو زال ملكه عنه ببيع أو غيره أو وقفه أو أعتقه أو كاتبه أو استولدها أو وهبه وأقبضه أو رهنه وأقبضه فلا رجوع له ولا قيمة أيضاً وحكى الإمام خلافاً في أن الرهن هل يمنع الرجوع مبنياً على ما سبق من صحة هبة المرهون فإن قلنا لا تصح لم يصح الرجوع وإلا توقفنا فإن فك الرهن بان صحة الرجوع وذكر أيضاً تردداً في كتابة العبد بناء على صحة بيعه ولا يمتنع الرجوع بالرهن والهبة إذا لم يقبضا ولا بالتدبير وتعليق العتق بصفة ولا بزراعة الأرض وتزويج الأمة قطعاً ولا بالإيجار على المذهب وبه قطع الأكثرون وتبقى الإجارة بحالها كالتزويج وقال الإمام إن صححنا بيع المستأجر رجع وإلا فإن جوزنا الرجوع في المرهون وتوقفنا صح الرجوع هنا ولا توقف بل الرقبة للراجع ويستوفي المستأجر المنفعة إلى انقضاء المدة وإن منعنا الرجوع في المرهون ففي المستأجر تردد وخرج على هذا ترددا فيما إذا أبق العبد الموهوب من يد المتهب هل يصح رجوع الواهب مع قولنا لا تصح هبة الآبق لأن الهبة تمليك مبتدأ والرجوع بناء فيسامح فيه ولو جنى وتعلق الأرش برقبته فهو كالمرهون في امتناع الرجوع لكن لو قال أنا أفديه وأرجع مكن بخلاف ما لو كان مرهوناً فأراد أن يبذل قيمته ويرجع لما فيه من إبطال تصرف المتهب‏.‏

ولو زال ملك المتهب ثم عاد بإرث أو شراء ففي عود الرجوع وجهان وقال الغزالي قولان أصحهما المنع واحتج أبو العباس الروياني لهذا الوجه بأنه لو وهب لابنه فوهبه الابن لجده فوهبه الجد لابن ابنه الذي وهبه فإن حق الرجوع للجد الذي حصل منه هذا الملك لا للأب ولا يبعد أن يثبت القائل الأول الرجوع لهما جميعاً‏.‏

ولو وهب له عصيراً فصار خمراً ثم صار خلا فله الرجوع على المذهب وحكى بعضهم وجهين في زوال الملك بالتخمر ووجهين في عود الرجوع تفريعاً على الزوال وإذا انفك الرهن أو الكتابة بعجز المكاتب ثبت الرجوع على المذهب‏.‏

ولو حجر على المتهب بالفلس فلا رجوع على الأصح كالرهن وقيل يرجع لأن حقه سابق فإنه يثبت من حين الهبة‏.‏

قلت ولو حجر عليه بالسفه ثبت الرجوع قطعاً لأنه لم يتعلق به حق غيره قاله المتولي وآخرون والله أعلم‏.‏

ولو ارتد وقلنا لا يزول ملكه ثبت الرجوع وإن قلنا يزول فلا فإن عاد إلى الإسلام ثبت الرجوع على المذهب وقيل على الخلاف فيما لو زال ملكه ثم عاد ولو وهب الابن المتهب الموهوب لابنه أو باعه له أو ورثه منه فلا رجوع للجد على المذهب‏.‏

قلت ولو وهبه المتهب لأخيه من أبيه قال في البيان ينبغي أن لا يجوز للأب الرجوع قطعاً لأن الواهب لا يملك الرجوع فالأب أولى ولا يبعد تخريج الخلاف لأنهم عللوا الرجوع بأنه هبة لمن للجد الرجوع في هبته وهذا موجود هنا والله أعلم‏.‏

القسم الثاني أن يكون باقياً في سلطنة المتهب فإن كان بحاله أو ناقصاً فله الرجوع وليس على المتهب أرش النقص وإن كان زائداً نظر إن كانت الزيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة رجع فيه مع الزيادة وإن كانت منفصلة كالولد والكسب رجع في الأصل وبقيت الزيادة للمتهب وإن وهب جارية أو بهيمة حاملا فرجع قبل الوضع رجع فيها حاملا وإن رجع بعد الوضع فإن قلنا للحمل حكم رجع في الولد مع الأم وإلا ففي الأم فقط وإن وهبها حائلا ورجع وهي حامل فإن قلنا لا حكم للحمل رجع فيها حاملا وإلا فلا يرجع إلا في الأم وهل له الرجوع في الحال أم عليه الصبر إلى الوضع وجهان ولو وهبه حباً فبذره ونبت أو بيضاً فصار فرخاً فلا رجوع لأن ماله مستهلك‏.‏

قال البغوي هذا إذا ضمنا الغاصب بذلك وإلا فقد وجد عين ماله فيرجع‏.‏

ولو كان الموهوب ثوبا فصبغه الابن رجع في الثوب والابن شريك بالصبغ ولو قصره أو كانت حنطة فطحنها أو غزلا فنسجه فإن لم تزد قيمته رجع ولا شيء للابن وإن زادت فإن قلنا القصارة عين فالابن شريك وإن قلنا أثر فلا شيء له ولو كان أرضاً فبنى فيها أو غرس رجع الأب في الأرض وليس له قلع البناء والغراس مجاناً لكنه يتخير بين الإبقاء بأجرة أو التملك بالقيمة أو القلع وغرامة النقص كالعارية ولو وطئ الابن الموهوبة قال ابن القطان لا رجوع وإن لم تحبل لأنها حرمت على الأب والصحيح ثبوت الرجوع‏.‏

فرع فيما يحصل به الرجوع يحصل بقوله رجعت فيما وهبت أو ارتجعت أو استرددت المال أو رددته إلى ملكي أو أبطلت الهبة أو نقضتها وما أشبه ذلك هكذا أطلقوه وحكى الروياني في الجرجانيات وجهين في أن الرجوع نقض وإبطال للهبة أم لا فعلى الثاني ينبغي أن لا يستعمل لفظ النقض والإبطال إلا أن يجعل كناية عن المقصود وذكر الروياني هذا أن اللفظ الذي يحصل به الرجوع صريح وكناية فالصريح رجعت والكناية تفتقر إلى النية كأبطلت الهبة وفسختها فلو لم يأت بلفظ لكن باع الموهوب أو وهبه لآخر أو وقفه فثلاثة أوجه أصحها لا يكون رجوعاً والثاني رجوع وينفذ التصرف والثالث رجوع فلا ينفذ التصرف ولو أتلف الطعام الموهوب أو أعتق العبد أو وطئ لم يكن رجوعاً على الأصح والثاني رجوع وأشار الإمام إلى وجه ثالث أنه إن أحبلها بالوطء وحصل الاستيلاد كان رجوعاً وإلا فلا فعلى الأصح يلزمه بالإتلاف القيمة ويلغو الاعتاق وعليه بالوطء مهر المثل وباستيلاد القيمة‏.‏

قلت ولا خلاف أن الوطء حرام على الأب وإن قصد به الرجوع كذا قاله الإمام لاستحالة إباحة الوطء لشخصين ولا خلاف أن المتهب يستبيح الوطء قبل الرجوع لكن إذا جرى وطء الأب الحرام هل يتضمن الرجوع فيه الخلاف والله أعلم‏.‏

ولو صبغ الثوب الموهوب أو خلط الطعام بطعام نفسه لم يكن رجوعاً بل هو كما لو فعل الغاصب ذلك‏.‏

فرع الرجوع في الهبة حيث يثبت لا يفتقر إلى قضاء القاضي وإذا رجع ولم يسترد المال فهو أمانة في يد الولد بخلاف المبيع في يد المشتري بعد فسخ البيع لأن المشتري أخذه على حكم الضمان‏.‏

فرع اتفاق الواهب والمتهب على فسخ الهبة لو اتفق الواهب والمتهب على فسخ الهبة حيث لا رجوع فهل ينفسخ كما لو تقايلا أم لا كالخلع فيه وجهان عن الجرجانيات‏.‏

قلت لا يصح الرجوع إلا منجزاً فلو قال إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت لم يصح قال المتولي لأن الفسوخ لا تقبل التعليق والله أعلم‏.‏

الطرف الثاني في الثواب قد سبق أن الهبة مقيدة بنفي الثواب وإثباته ومطلقة ومضى الكلام في المقيدة وفرعناها على المذهب والذي قطع به الجمهور وهو صحتها وقيل إنها باطلة إذا أوجبنا الثواب في المطلقة لأنه شرط يخالف مقتضاها وأما القسم الثاني وهي المطلقة لأنه شرط يخالف مقتضاها‏.‏

وأما القسم الثاني وهي المطلقة فينظر إن وهب الأعلى للأدنى فلا ثواب وفي عكسه قولان أظهرهما عند الجمهور لا ثواب والثاني يجب الثواب فعلى هذا هل هو قدر قيمة الموهوب أم ما يرضى به الواهب أم ما يعد ثواباً لمثله في العادة أم يكفي ما يتمول فيه أربعة أوجه وقيل أقوال أصحها أولها والخيار في جنسه إلى المتهب فعلى الأصح لو اختلف قدر القيمة فالاعتبار بقيمة يوم القبض على الأصح وقيل بيوم بذل الثواب ثم إن لم يثب ما يصلح ثواباً فللواهب الرجوع إن كان الموهوب بحاله‏.‏

قلت قال أصحابنا ولا يجبر المتهب على الثواب قطعاً والله أعلم‏.‏

فإن زاد زيادة منفصلة رجع فيه دونها وإن زاد متصلة رجع فيه معها على الصحيح وقيل أصحهما يرجع بقيمته والثاني لا شيء له كالأب في هبة ولده وإن كان ناقصاً رجع فيه وفي تغريمه المتهب أرش النقصان الوجهان وقيل له ترك العين والمطالبة بكمال القيمة‏.‏

قلت وإن كانت جارية قد وطئها المتهب رجع الواهب فيها ولا مهر على المتهب لأنه وطئ ملكه والله أعلم‏.‏

وأما إذا وهب لنظيره فالمذهب القطع بأن لا ثواب وقيل فيه القولان وعن صاحب التقريب طرد القولين في هبة الأعلى للأدنى وهو شاذ‏.‏

قلت وحكى صاحب الإبانة والبيان وجهاً أنه إذا وهب لنظيره ونوى الثواب استحقه وإلا فقولان فإن اختلفا في النية فأيهما يقبل قوله وجهان والمذهب أنه لا يجب الثواب في جميع الصور قال المتولي إذا لم يجب فأعطاه المتهب ثوبا كان ذلك ابتداء هبة حتى لو وهب لابنه فأعطاه الابن ثواباً لا ينقطع حق الرجوع ولا يجب في الصدقة ثواب بكل حال قطعاً صرح به البغوي وغيره وهو ظاهر وأما الهدية فالظاهر أنها كالهبة والله أعلم‏.‏

وأما القسم الثالث فالمقيدة بالثواب وهو إما معلوم وإما مجهول‏.‏

فالحالة الأولى المعلوم فيصح العقد على الأظهر ويبطل على قول فإن صححنا فهو بيع على الصحيح وقيل هبة فإن قلنا هبة لم يثبت الخيار والشفعة ولم يلزم قبل القبض وإن قلنا بيع ثبتت هذه الأحكام وهل تثبت عقب العقد أم عقب القبض قولان أظهرهما الأول‏.‏

ولو وهبه حلياً بشرط الثواب أو مطلقاً وقلنا الهبة تقتضي الثواب فنص في حرملة أنه إن أثابه قبل التفرق بجنسه اعتبرت المماثلة وإن أثابه بعد التفرق بعرض صح وبالنقد لا يصح لأنه صرف وهذا تفريع على أنه بيع وفي التتمة أنه لا بأس بشيء من ذلك لأنا لم نلحقه بالمعاوضات في اشتراط العلم بالعوض وكذا سائر الشروط وهذا تفريع على أنه هبة وحكى الإمام الأول عن الأصحاب وأبدى الثاني احتمالا وخرج على الوجهين ما إذا وهب الأب لابنه بثواب معلوم فإن جعلنا العقد بيعاً فلا رجوع وإلا فله الرجوع وإذا وجد بالثواب عيباً وهو في الذمة طالب بسليم وإن كان معيناً رجع إلى عين الموهوب إن كان باقياً وإلا طالب ببدله واستبعد الإمام مجيء الخلاف أنه بيع أم هبة هنا حتى لا يرجع على التقدير الثاني وإن طرده بعضهم وإذا جعلناه هبة فكافأه بدون المشروط إلا أنه قريب ففي شرح ابن كج وجهان في أنه هل يجبر على القبول لأن العادة فيه مسامحة‏.‏

قلت والأصح أو الصحيح لا يجبر والله أعلم‏.‏

الحالة الثانية إذا كان الثواب مجهولا فإن قلنا الهبة لا تقتضي ثواباً بطل العقد لتعذر تصحيحه وحكى الغزالي وجهاً أنه يبطل بناء على أن العوض يلحقه بالبيع‏.‏

فرع نص الشافعي رضي الله عنه أنه لو وهب لاثنين بشرط الثواب فأثابه أحدهما فقط لم يرجع في حصة المثيب وأنه لو أثاب أحدهما عن نفسه وعن صاحبه ورضي به الواهب لم يرجع الواهب على واحد منهما ثم إن أثاب إذن بغير الشريك لم يرجع عليه وإن أثاب بإذنه رجع بالنصف إن أثاب ما يعتاد ثوابا لمثله فإن زاد فمتطوع بالزيادة‏.‏

فرع خرج الموهوب مستحقاً بعد الثواب رجع بما أثاب على الواهب وإن خرج بعضه مستحقاً فله الخيار بين أن يرجع على الواهب بقسطه من الثواب وبين أن يرد الباقي ويرجع بجميع الثواب وقيل تبطل الهبة في الكل وقيل لا يجيء قول الإبطال هنا‏.‏

فرع قال وهبتك ببدل فقال بلا بدل وقلنا مطلق الهبة لا يقتضي ثواباً فهل المصدق الواهب أم المتهب وجهان وبالأول قطع ابن كج‏.‏

قلت الثاني أصح والله أعلم‏.‏

هبة منافع الدار هل هي إعارة لها فيه وجهان في الجرجانيات ولا يحصل الملك بالقبض في الهبة الفاسدة وهل المقبوض بها مضمون كالبيع الفاسد أم لا كالهبة الصحيحة وجهان ويقال قولان‏.‏

قلت أصحهما لا ضمان وهو المقطوع به في النهاية والعدة والبحر والبيان ذكروه في باب التيمم قال المتولي وإذا حكمنا بفساد الهبة فسلم المال بعد ذلك هبة فإن كان يعتقد فساد الأولى صحت الثانية وإلا فوجهان بناء على من باع مال أبيه على أنه حي فكان ميتاً‏.‏

وهذه مسائل متعلقة بالكتاب‏.‏

إحداها قال لرجل كسوتك هذا الثوب ثم قال لم أرد الهبة قال صاحب العدة يقبل قوله خلافاً لأبي حنيفة رضي الله عنه لأنه يصلح للعارية فلا يكون صريحاً في الهبة‏.‏

الثانية قال منحتك هذه الدار أو الثوب فقال قبلت وأقبضه فهو هبة قاله في العدة‏.‏

الثالثة في فتاوى الغزالي لو كان في يد ابن الميت عين فقال وهبنيها أبي وأقبضنيها في الصحة فأقام باقي الورثة بينة بأن الأب رجع فيما وهب لابنه ولم تذكر البينة ما رجع فيه لا تنتزع من يده بهذه البينة لاحتمال أن هذه العين ليست من المرجوع فيه ويقرب من هذا لو وهب وأقبض ومات فادعى الوارث كون ذلك في المرض وادعى المتهب كونه في الصحة فالمختار أن القول قول المتهب‏.‏

الرابعة دفع إليه ثوبا بنية الصدقة فأخذه المدفوع إليه ظاناً أنه وديعة أو عارية فرده على الدافع لا يحل للدافع قبضه لأنه زال ملكه فإن الاعتبار بنية الدافع فإن قبضه لزمه رده إلى المدفوع إليه ذكره القاضي حسين‏.‏

الخامسة بر الوالدين مأمور به وعقوق كل واحد منهما محرم معدود من الكبائر بنص الحديث الصحيح وصلة الرحم مأمور بها فأما برهما فهو الإحسان إليهما وفعل الجميل معهما وفعل ما يسرهما من الطاعات لله تعالى وغيرها مما ليس بمنهي عنه ويدخل فيه الإحسان إلى صديقهما ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه ‏"‏ وأما العقوق فهو كل ما أتى به الولد مما يتأذى به الوالد أو نحوه تأذياً ليس بالهين مع أنه ليس بواجب وقيل تجب طاعتهما في كل ما ليس بحرام فتجب طاعتهما في الشبهات وقد حكى الغزالي هذا في الإحياء عن كثير من العلماء أو أكثرهم وأما صلة الرحم ففعلك مع قريبك ما تعد به واصلا غير منافر ومقاطع له ويحصل ذلك تارة بالمال وتارة بقضاء حاجته أو خدمته أو زيارته وفي حق الغائب بنحو هذا وبالمكاتبة وإرسال السلام عليه ونحو ذلك‏.‏

السادسة الوفاء بالوعد مستحب استحباباً متأكداً ويكره إخلافه كراهة شديدة ودلائله من الكتاب والسنة معلومة وقد ذكرت في كتاب الأذكار فيه باباً وبينت فيه اختلاف العلماء في